انتشرت خلال الساعات الماضية صور العقار المائل فى شارع التحرير بالدقى، وفجأة تنبه الجميع لحكايته، التى تعبر بصورة صادقة عن حجم الروتين والبيروقراطية، التى تتصرف بها المحليات والأحياء فى الوقت الراهن، عقار الدقى المائل وفقا للتقارير الفنية صدر له قرار إزالة منذ عام 1997، أى منذ نحو 22 عاما تقريبا.. نعم الرقم صحيح، والعقار فى عقده الثالث بعد قرار الإزالة، ومن ولدوا فيه منذ ذلك التاريخ صاروا الآن شبابا فى سن الرشد.
تجلت المشكلة بعد ميل العقار على الشارع بصورة ملفتة لدرجة تؤكد للعامة والمتخصصين أن هذا العقار آيل للسقوط، وقد يقع على رؤوس المواطنين فى أى لحظة، خاصة أنه ضخم ومرتفع ويصل إلى 10 أدوار، بالإضافة إلى وقوعه على أحد الشوارع الرئيسية فى منطقة الدقى، التى تعتبر محورا مروريا مهما بين محافظتى القاهرة والجيزة.
كيف تناست المحليات العقار كل هذه المدة الطويلة؟ وهل فعلا الأمر مرتبط بفكرة أن السكان طعنوا على قرار الإزالة واتخذوا مجموعة من الإجراءات القضائية عطلت من التنفيذ؟! الإجابة الواضحة لا.. بدليل أن العقار يتم إخلاؤه الآن دون التوقف عند أى شيىء، نظرا لتوفر الإرادة واستشعار الخطر على حياة الناس، فهذه الإرادة لم تكن موجودة من قبل لأننا ببساطة مازلنا نعمل بمنطق " الإحالة "، فالكل يعرف المشكلة ويدرس أبعادها لكن لا يقترب منها ويحيلها إلى غيره، أملا فى أن تنتهي أو تعود بعد فترة تكون مدة خدمته انقضت أو صاحب المشكلة "زهق" أو زالت أسبابها.. للأسف هكذا نعمل.
الفساد ليس مرتبطا بالأشخاص والأموال والمنافع المباشرة، لكنه أيضا مرتبط بإحياء نصوص قانونية تخدم أغراضا وأهدافا معينة، وتغييب أخرى، فالعقار رقم 144 بشارع التحرير ظل 22 عاما دون إزالة، تحت مبدأ قانونى هو النزاع والتداول فى القضاء، ووجوب انتظار الفصل حتى يتم التنفيذ من الجهة الإدارية وهى " الحى" فى هذه الحالة، وهنا سيظل المبنى موجودا، بينما لو تم تفعيل النصوص القانونية الخاصة بالإضرار بالمواطنين وتعريض حياتهم للخطر، سيكون عليهم هدم العقار بصورة فورية دون انتظار أحد، وهذا ما يحدث الآن.
الشاهد على ما أقول إننا يمكن أن نتخذ القرار ونقيضه تحت ستار القانون، إذا غابت عنا الإرادة نحو تقديم حل حقيقى يفيد الناس ويزيل شكواهم، دون أن نحتكم دائما لمبدأ " يبقى الحال على ما هو عليه "، فهذه العبارة نتوارثها فى المحليات منذ سنوات وسنوات، وننتظر المشكلة يوما بعد الآخر، دون أن نخلق حلولا جذرية تحترم دولة القانون وتراعى مصالح الناس.
يجب أن يكون للمحليات دور قوى وحقيقي لخدمة الشارع ورعاية المواطنين والحفاظ على حقوقهم وممتلكاتهم، بتنسيق كامل مع كل أجهزة الدولة، ولا يمكن أبدا أن نحصر دورها فى إزالة الإشغالات ومطاردة الباعة الجائلين وجمع كراتين الشيبسى وكراسى محلات الكشرى والفول والطعمية وتروسيكلات الموز، فهذا دور ثانوى وتقليدى جدا ولن يقدم حلولا ما دمنا نغمض عيوننا عن الحقيقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة