من الترجمات التى أصدرتها الكتب خان للنشر والتوزيع، الترجمة العربية للكاتبة الهندية أروندهاتى روى، رواية "وزارة السعادة القصوى، ترجمة أحمد شافعى.
تُقدِّم "وزارة السعادة القصوى" بانوراما ممتدة فى المكان والزمان، لتاريخ المجتمع الهندى الرازح تحت ثقل الفوضى والطبقية والعنف الطائفي. وتمزج التوثيق السياسى بالتخييل الأدبي، عبر تتبُّع حيوات ومصائر طيف واسع من الشخصيات شديدة الواقعية والغرابة فى نفس الوقت.
فيما كانت الهند تستعد للصعود إلى مصاف القوى العظمى، ولد فى دلهى القديمة طفل رآه أهله ذكرًا وأصر أنه امرأة، فسمى نفسه ”أنجم“ وعاش فى وسط المخنثين المعروفين بالهيجرات الذى احتضنته حضارة الهند على مدار القرون. هنالك عرفت أنجم الرقص والغناء والمتعة والألم والشقاء، إلى أن أطل التعصب بوجهه القبيح فلم يبق لأنجم ملاذ إلا المقابر.
فى الوقت نفسه، تولد امرأة أخرى اسمها "تِلو" ضحية للنظام الطبقى الغاشم، وتعيش لتشهد قسوة الهند الدموية فى كشمير، يقع فى غرامها المناضل وضابط المخابرات والصحفى العميل، فتهرب من كل ذلك فلا تجد هى الأخرى إلا المقابر. امرأتان، أو امرأة وشبه امرأة، وطوفان من الشخصيات التى لفظتها المدينة أو لفظت هى المدينة، فلاذت جميعًا بالمكان الوحيد الصالح للحياة وتلمُّس أسباب السعادة: المقابر.
ملحمة روائية كثيفة ومشحونة ومتعددة الخطوط، عن التاريخ المُعقد لبلد من أكثر بلاد العالم تنوُّعًا وصخبًا.
نُشرت "وزارة السعادة القصوى" فى عام 2017، وحازت ترشيحًا على القائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية فى نفس العام.
وعن الرواية كتب أحد المتابعين على موقع"good reads" ويدعى Ahmed's Reviews:
سأخبركم الحقيقة الواضحة، أن تاريخ كل أمة يكمن فى تفاصيل شعوبها، التاريخ الحقيقي، لا يكون فى قرارات الساسة العنترية، والتى يحاولون بها خداع الملايين من شعوبهم، ولا تكمن فى المعارك الضخمة التى ينشغل بها جمع من المؤرخين والكُتاب، إن التاريخ الحقيقى للأمم ينبع من مهمشيها، فهم من يعاصر الأزمات والنكبات ويتعرض للذل والهوان، ويرى صامتًا ما يحدث وينشغل الجميع بالمهم وينسى هؤلاء.
وهنا تكمن قيمة الأدب الحقيقية، أن يكون صوت من لا صوت لهم، أن يلقى الضوء ويسجل ويؤرخ تلك التفاصيل، وهنا تقوم أروندهاتى روى بتلك المهمة بكل اقتدار، فتسلط الضوء على التاريخ المعاصر لأمة عريقة ودولة مهولة كالهند من خلال حياة أحد مهمشيها، وهم طائفة المخنثين (الهيجرات)، والذين اتضح أن لهم مكانتهم المحفوظة فى التراث الشعبى الهندي، لتنطلق فى كتابة تأريخًا جديدًا لأمة عريقة، تأريخًا نابعا من البشر وموبقاتهم، تتحدث فيه عن الحب والعنصرية، عن التضامن والتنافر، عن الدين والجنس واللون، وما قد يفعله فى تشتيت البشر كأقوى من سلاح نووي.
الرواية عظيمة، درس كتابة متقن بليغ، الكاتبة فيه بتتجلى وتنسج من خيالها خيوط عنكبوتية قوية، مكونة من شخصيات وأحداث وتفاصيل، بتضعك فى قلب المجتمع الهندى كأنك تشاهد ما تكتبه، رواية تكاد تقترب من عظمة أطفال منتصف الليل كقمة أدب الواقعية السحرية خارج بلاد اللاتين.
ولا يحق لنا ذكر عظمة الرواية إلا بذكر اتقان وبلاغة الترجمة العربية اللى قدمها لنا مترجم محترف واع زى أحمد شافعي، ترجمة شافية وافية وسلسة للغاية، وهوامشها (على قلتها) مفيدة ومنيرة للقارئ أثناء القراءة.