العلوم الجنائية تعتبر ذات مكانة كبيرة وبارزة في مسألة مكافحة الجرائم، وقد ازدادت أهمية العلوم الجنائية في العصر الحديث نتيجة التطور التقني والعلمي، ومن الحقائق التي لا يمكن اغفالها أن هناك تلازماَ بين كل من التقدم العلمي وتطور أسلوب ارتكاب الجريمة، ففي الأزمنة المنصرمة كان المجرم كما هو معلوم يرتكب جريمته بأسلوب بدائي يتناسب مع إمكانات عصره.
أما في العصر الذي نعيش فيه الآن فقد تطورت الأساليب الإجرامية باستخدام الوسائل الفنية الحديثة، الأمر الذي دفع معه الباحثين في هذا المجال إلى بذل المزيد والمزيد من الدراسة والجهد والتعمق، وذلك لاكتشاف ما هو باطن من العلوم والمعرفة، بما يحقق معه التفوق والسيطرة على المجرم مهما كانت درجة خطورته ليسود الأمن والأمان، وتعتبر البصمة أو البصمات من أهم وأبرز الأساليب العلمية لاكتشاف الجريمة وهوية مرتكبها.
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء من خلال علوم مسرح الجريمة على كيفية مساهمة بصمة الرائحة وبصمة الصوت وبصمة العين وبصمة الشفاه وبصمة الأذن، وذلك في الوصول إلى هوية الجناة، وكذا بصمة الأصابع في الوصول إلى هوية الجناة حيث تتنوع البصمات وتختلف بحسب نوعيتها – وفقا للخبير القانوني والمحامي بالنقض محمد صادق.
بصمة الأصبع
عالم البصمة فى الحقيقة يتضمن في طياته أكثر من حقل فهناك: بصمة الإصبع أو الأصابع وقد قال الله تعالى: "أيحسب الإِنسَانُ أَلَّن نجمع عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نشوي بَنَانَهُ"، وقد استطاع العلم أن يتوصل إلى سر البصمة في القرن التاسع عشر وتبين أن - البصمة - تتكون من خطوط بارزة في بشرة الجلد تجاورها منخفضات، وتعلو الخطوط البارزة فتحات المسام العرقية، تتمادى هذه الخطوط وتتفرع وتتلوى عنها فروع لتأخذ في النهاية وفي كل شخص شكلاً مميزًا.
وقد ثبت من خلال الأبحاث العلمية لخبراء الطب الشرعي أنه لا يمكن للبصمة أن تتماثل وتتطابق في شخصين في العالم حتى في التوائم المتماثلة التي أصلها من بويضة واحدة، ويتمّ تكوين البصمة في الجنين في الشهر الرابع، وتظل البصمة مميزة وثابتة له طيلة حياته، ويمكن أن تتقارب بصمتان في الشكل تقاربًا ملحوظًا، ولكنهما لا تتطابقان أبدًا – بحسب "صادق".
والبصمة التي يثار حولها الحديث موجودة بجسم الإنسان فقط براحات الأيدي وهي الموجودة بـ "باطن الكف مع الأصابع"، وبواطن الأقدام "أسفل القدمين مع الأصابع" وهي التي يتم رفعها من مكان الحادث باستخدام البودرة والمشمع الخاص "بالنسبة للأقدام طبعا إذا كانت عارية غير محتزية".
بصمة الرائحة
وأما عن بصمة الرائحة فلكل إنسان منذ بدأ الخليقة بصمة لرائحته المميزة التي ينفرد بها وحده دون سائر البشر أجمعين والآية تدل على ذلك - قال الله تعالى - على لسان يعقوب -عليه السلام-: "وَلَمَّا فَصَلَتِ العير قَالَ أبوهم إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لولا أَن تُفَنِّدُونِ" -يوسف: 94 إننا نجد في هذه الآية الكريمة تأكيدًا لبصمة رائحة - سيدنا يوسف - التي تبرزه وتميزه عن كل البشر، وقد استغلت هذه البصمة أو الصفة المميزة في تتبع آثار أي شخص معين، وذلك باستغلال، مثل الكلاب "الوولف" المُدربة التي تستطيع عن بعد شم ملابس إنسان معيَّن أن تخرجه من بين آلاف البشر .
بصمة الصوت
وبالنسبة لبصمة الصوت، فإنه حيث يحدث الصوت في الإنسان نتيجة اهتزاز الأوتار الصوتية في الحنجرة بفعل هواء الزفير بمساعدة العضلات المجاورة التي تحيط بها 9 غضاريف صغيرة تشترك جميعها مع الحنجرة والشفاه واللسان، وذلك لكي لتخرج نبرة صوتية تميز الإنسان عن غيره، وفي الآية الكريمة: "حَتَّى إذَا أتوا عَلَى وَادِي النمل قالت نملة يَا أَيُّهَا النمل ادخلوا مساكنكم لا يَحطِمَنَّكُم سليمان وَجُنُودُهُ وهم لا يَشعُرُونَ"، فقد جعل الله بصمة لصوت سيدنا سليمان جعلت النملة تتعرف عليه وتميزه – الكلام لـ"صادق".
بصمة العين
بصمة العين هو نظام جديد للتعرف على هوية الأشخاص يعتمد على تقنية من أدق التقنيات الحيوية المستخدمة للتعرف على هوية الأفراد حيث إنها تعتبر الأسهل تطبيقاً على الأشخاص من بين أنواع البصمات الأخرى، وذلك أنه يمكن أخذ بصمة العين دون علم أو حتى شعور الشخص أنه يتم قراءة بصمة عينه بواسطة كاميرات الفيديو ذات الدقة العالية التي تستخدم لقراءة البصمة للعين حيث لا يوجد عينان متشابهتان في كل شيء على مستوى جميع البشر أو للشخص الواحد.
بصمة العين لها استخداماتها فى المجالات الأمنية خاصة فى المطارات والموانئ، وإجراءات فحص بصمة العين للقادمين من كافة المنافذ الحدودية لضبط جميع الأشخاص المخالفين للقانون والمحكوم عليهم والمبعدين عن الدولة لأي سبب، وكذا مرتكبي الجرائم الجنائية، وكذا تم استخدامها في البنوك ككلمة سر.
بصمة الشفاه
أما عن بصمة الشفاه فهناك فريق بحثي مصري، كان قد أجرى بحثاَ على فاعلية "بصمة الشفاه"، باعتباره دليلاً يمكن جمعه من مسرح الجريمة، بما يساعد في الوصول إلى الجناة حيث أثبت البحث أن "الشفاه في حقيقة الأمر مثلها مثل بصمة الأصابع لا تتكرر من شخص إلى آخر، بما يجعلها آداه فاعلة في تحديد الهوية"، فضلاَ عن أن بصمة الشفاه تفتح المجال أمام استخدامها مستقبلاً في الطب الشرعي، إلى جانب الوسيلتين الأكثر شيوعاً، وهما، بصمة الحمض النووي وبصمة الأصابع.
بصمة الشفاه من الممكن أن تكون مطبوعة في مسرح الجريمة على الكثير من الوسائط مثل، "أكواب الشرب، وأعقاب السجائر" ويمكن رفع هذه البصمة ومضاهاتها بالشخصيات المشتبه بهم، للتأكد من وجودهم في مسرح الجريمة، فقد استخدم الفريق البحثي لإثبات فاعلية "بصمة الشفاه" عينة تضم 221 متطوعاً، تم اختيارهم عشوائياً من الجنسين من مختلف ربوع البلاد، وطلب منهم استخدام أحمر شفاه غامق، أو بني غير مستمر وغير لامع، وبعد خمس دقائق قاموا بطباعة شفاهم على ورق أبيض، للحصول على بصمة الشفاه الخاصة بكل منهم.
النتيجة التي توصل لها الفريق البحثي، كانت أن "بصمة الشفاه" تختلف من فرد إلى آخر، كما تختلف حسب الجنس والمنطقة الجغرافية، بما يدعم دراسة أجراها العالم الفرنسي إدموند لوكارد عام 1932، وأوصى فيها باستخدام "بصمة الشفاه" .