كان عام رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى بالفعل مختلفا، وأى مراقب يمكنه اكتشاف حجم وشكل ومضمون هذه التحركات، فقد تحركت مصر على مستوى الداخل الأفريقى، واتجهت لإعادة تنظيم الاتحاد الأفريقى بالشكل الذى يمنحه المزيد من القوة والنفوذ فيما يتعلق بالتدخل فى النزاعات والتقاطع مع القضايا البينية والقارية، وامتلاك قدرات تفاوضية للتدخل، فى حل النزاعات الداخلية والبينية داخل القارة.
يضاف إلى ذلك طرح جاد لقضايا الأمن والتنمية وإعادة بناء خطوط دفاع سياسية قابلة للعمل فى ظل تعقد العلاقات والتركيبة الاجتماعية والسياسية، حيث تم اعتماد الهيكل الجديدة لمفوضية الاتحاد الأفريقى. وبناء تفكير جمعى يراكم الخبرات والأفكار، ومن خلال استعراض تحركات مصر وكلمات الرئيس السيسى يمكن استنتاج خارطة العمل الشاق طوال عام رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى، مع آفاق لاستمراريته، بشكل يجعل السنة عدة سنوات على مستوى النتائج والخطوات.
ولم يتوقف الجهد المصرى على فترة رئاسة القاهرة للاتحاد الأفريقى، فقد سبقتها تحركات تأسيسية لاستعادة العلاقات المصرية بعمقها الأفريقى، كما مثلت مصر القارة فى مجلس الأمن، وخلال عام استضافت القاهرة وأسوان وشرم الشيخ، عددا كبيرا من الاجتماعات الأفريقية، وتم تخصيص النسخة الثانية من منتدى شباب العالم لأفريقيا، فضلا عن استضافة أسوان للشباب الأفريقى، حيث كانت مصر ملتقى مهما للشباب والكوادر رجال الأعمال الأفارقة، بشكل حول هذه الملتقيات إلى مناسبات للفعل والتفاعل وعدم الاكتفاء بالشعارات والعناوين.
إقليميا ودوليا حملت مصر قضايا أفريقيا العالم، وشهد عام رئاسىة مصر مبادرات وتحركات للمشاركة وتنظيم منتديات أفريقيا وروسيا والصين وأوربا، وقبل ذلك كانت التشبيك بين أفريقيا والعالم العربى ودوائر التحرك الإقليمى، حيث كانت القضايا الأفريقية ومصالحها مطروحة بكل مفصل وهى تحركات من شأنها أن تؤسس لبناء علاقات اقتصادية وسياسية للقارة مع القوى الفاعلة فى العالم، وأن تجعل الصورة أكثر وضوحا فيما يتعلق بمستقبل الاستثمار والتنمية بالقارة وتدفق الاستثمارات الخارجية.
ونتوقع أن تكون هناك عملية بناء جادة على ما تحقق، من جهد وتحرك مصرى فاعل على الساحات القارية والإقليمية والدولية، مع الأخذ فى الاعتبار أن العالم كله يشهد تحولات وصراعات تجارية واقتصادية وإعادة رسم لخرائط القوى والنفوذ وفى ظل قفزات تكنولوجية وتطور فى شكل ومضمون أدوات التواصل والتقنيات الاتصالية الحديثة.
ومن يراقب التحرك المصرى خلال رئاسة الاتحاد الأفريقى يلتقط حجم التطور ومدى الجهد الذى بذلته مصر أفر يقيا، بينما تخوض مصر سباقا اقتصاديا وتنمويا، فضلا عن معركة فى مواجهة الإرهاب، ويظهر حجم التركيز المصرى فى حمل قضايا القارة إلى العالم والعكس بشكل ضاعف من حجم الجهد المبذول، والذى يؤسس لسياق جديد من التعاون والتحرك الجماعى، حيث كان الحضور الأفريقى على قدم المساواة، مؤكدا أن أفريقيا بقدر ما تقدم الفرص للاستثمار والتنمية فإن دولها تنتظر أن تتحقق مصالح دولها الفردية والمصالح الجماعية للقارة باتجاه أكثر اتساعا وعمقا.
وكان منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة ختاما جيدا لعام مزدحم بالتفاصيل، بمشاركة واسعة من رؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية، وكبار المسئولين الأفارقة، ومسؤولى الشركاء الإقليميين والدوليين ومراكز البحث حول العالم تعبيراً عن أهمية منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة، كمنصة حوار وساحة لتبادل الآراء والخبرات بين المسؤولين والمهتمين بقضايا القارة الأفريقية.
وناقش موضوعات مهمة مثل منع نشوب الصراعات وحفظ السلام، وبناء السلام والخروج من دائرة التطرف المؤدى للإرهاب وقضايا المرأة والسلم والأمن وقضايا النزوح الداخلى، ودعم بناء المؤسسات الوطنية، وخرج بمجموعة توصيات تمثل خطوات عملية وطموحة تعالج جذور الأزمات التى تعانى منها القارة الأفريقية، ولا يتوقف المنتدى على فترة رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى، لكنه منتدى سنوى لطرح ومناقشة القضايا الأفريقية، حيث تعى مصر دورها ومسؤوليتها حريصة على العمل ضمن منظومة متصلة من العمل الذى يضمن مصالح كل الأطراف، ويرسم خرائط الفرص والمصالح للجميع. وبالفعل أى منصف يرى أن حجم ما تحقق طوال عام واحد فى رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى يؤكد أن توفر الإرادة يضاعف من حجم التحرك والإنجاز.