عادل أديب

«الحكواتى..!».. «المخرج و.. الإدارى!» «1»

الأحد، 15 ديسمبر 2019 07:05 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ أن كنت طفلا صغيرا فى منزل والدى العظيم «شيخ كتاب السيناريو»، «عبدالحى أديب».. وأنا أرى كما هائلا من الرجال، ذوى شخصيات وقورة وحاسمة صاحبة قرار، يجلسون فى مقابل والدى على مكتبه بالساعات الطويلة.. يتحدثون بل ويتجادلون معه ويمطرونه بأسئلة كثيرة، حتى ظننت أنهم ربما كانوا محققين وأحيانا، زوار الفجر عندما يأتون فى ساعات متأخرة من الليل!
يحاولون استجواب والدى واستدراجه عن كل تفاصيل كتاباته التى يظل منكبا عليها على مكتبه لساعات وشهور بل وسنين حتى ظننت أن أبى مجرد قطعة من أثاث هذا المكتب!
عرفت بعد ذلك أن تلك الشخصيات ما هى إلا مجرد.. مخرجين سنيمائيين.. «يوسف شاهين.. عزالدين ذوالفقار.. نيازى مصطفى.. كمال الشيخ.. عاطف سالم.. عاطف الطيب».. وغيرهم الكثيرون من عظماء السينما المصريه.
ومنذ تلك اللحظة وأنا أسمع فى كل برامج التليفزيون وأقرأ فى كل الجرائد والمجلات الفنية.. بل حتى مع جيراننا وأصدقائنا فى العمارة أو محلات الفول أو البقاله أو حتى سوق التوفيقية.. أن المخرج هو قائد العمل .. رب العمل .. الدرجة الأعلى إداريا.. وأنه دائما غاضب! صارخ فى الجميع، عصبى المزاج، لا راد لقراره.
وفى بعض الأحيان الأخرى، هو عجينة طرية سهلة فى يد النجمة اللامعة!
● ● ●
كنت أسمع ذلك لجهل الجميع من حولى حتى فى المدرسة لصعوبة اسم مهنة والدى «السيناريست»، حيث ظن الجميع أن والدى مخرجا.. ربما كان هذا أسهل بكثير لمستوى معرفتهم.. لذلك وبصراحة شديدة فضلت أن يظل والدى مخرجا فى نظرهم، على معاناتى لمجهود شرحى لمعنى «السيناريست».. لهم!
وطبعا كان السؤال الأهم والأكثر شيوعا، والذى كنت أتوقع قدومه كلما تودد إلى أحدهم وانتظر هو فرصة سريعه تجمعنا سويا دونما وجود أى شخص آخر.. وبعد تلفته يمينا ويسارا بتلصص .. ليسألنى بلهفة وبصوت منخفض متوتر: «ياترى البوسة فى الفيلم .. بجد ولا تمثيل؟!».
ورغم صغر سنى فإننى اخترعت ردا مانعا ومحبطا لكل أحلامهم: «لا دى خدعة سينمائية.. بيبقى فيه لوح ازاز شفاف بينهم!!».
وكنت أتمتع بتحول نظرة لمعان ءعينهم المدهشة إلى حالة من النفور والإحباط!!
واكتشفت بعد ذلك بسنوات عديده تحليلا لردى هذا النابع من إيمانى الفطرى كطفل..
الفن ليس متعة للحواس الرخيصة .. جوهر الفن أعمق وأكثر نفعا للسلوك الإنسانى ورقى للروح وللعقل.
أدركت ذلك منذ صغرى... وأيقنته يوما بعد يوم فى كبرى، وكان السبب الأساسى رؤييتى لصراعات والدى النفسية دفاعا عن ذلك.. يوما بعد يوم لحظة بعد لحظة.. والتى لم يتراجع عنها أبدا طول حياته.. خاصة كلما تقدم به العمر.. واختلفت تفاسير وأمور الحياة من حوله، واختفى من حياته زملاء الزمن .. الجميل!
● ● ●
وعند الرجوع الى المعجم باللغتين الإنجليزية والعربية، نكتشف بوضوح مشكلة ترجمة «DIRECTOR» إلى اللغة العربية والتى تعنى فى الأساس بالإنجليزية أعلى الدرجات فى العمل الإدارى بالشركات.
ومن ثم اتصل هذا المعنى بشكل مخرج العمل الدرامى والذى كان يجب عند التعريف بمعناه تحديد نوع عمله.. بمعنى «مخرج سينمائى أو مسرحى أو إذاعى» «FILM DIRECTOR...ETC»، وليس البحث فقط عن كلمة «مخرج» بشكل مطلق.
● ● ●
وبعد عمر طويل فى المهنة توصلت إلى معنى آخر لكلمة المخرج الدرامى سينمائيا كان أو مسرحيا أو إذاعيا.. «الحكواتى»!
نعم أنا «حكواتى» بل وأفخر بهذه التسمية.. والتى لم تأت من فراغ .. بل أتت عن علم وقراءات وأبحاث كثيرة.
وكان المفجر لها عندما سؤال أحد الكتاب المشهورين الروس لنا «الطلبة» 
فى إحدى الندوات بأكاديمية الفنون- التى أفخر طوال حياتى بأننى أحد تلاميذها- «من الذى يحكى قصة الفيلم؟».
وأجاب الجميع دون تردد: «السيناريست».
وكان الرد صادما: «لا.. ليس وحده.. هناك ثلاثة أضلاع لحكى قصة أى فيلم: السيناريست.. المخرج والمونتير!».
وعاد وسأل من جديد: «من صاحب الحكى الأوحد للفيلم السينمائى؟».
وعدنا كلنا فى تردد: «السيناريست!».
وكانت الصدمة الكبرى عندما قال: «المخرج»!!
كيف يجروء هذا السيناريست المعروف بالاعتراف علنا بأن الحاكى الأوحد للفيلم هو المخرج؟! هل يتلاعب بنا؟
ضجت القاعه بالنقاش والاندهاش بل والرفض أيضا!
ولكن السيناريست الروسى كان ثابتا وعلت على وجهه ابتسامة من الثقة الشديدة والواضحة..
● ● ●
«THE DIRECTORS IDEA»
 THE PATH TO BE A GREAT DIRECTOR.
«فكرة الإخراج السينمائى»- كيف تكون مخرجا عظيما- أو- كما أفضل ترجمتها: «رؤية المخرج- الطريق لتكون مخرجا عظيما- للكاتب «كين دانسايجر».
كان هذا الكتاب ودراسات أخرى فى نفس السياق، بعد سنوات عديدة من لقاء هذا الكاتب الروسى، بمثابة لحظة التنوير لفترة طويلة عشت فيها فى الظلام.. حيث أدركت لحظة قراءتى وفهمى لهذا الكتاب معنى ضحكة هذا الكاتب الواثقة.. والتى كانت تعنى «سيأتى يوم وتعلمون الحقيقة..وتدركون ما أدركت.. لقد كنت مثلكم.. فى مثل سنكم هذه».
وغضبت من نفسى لحظة إدراكى لهذا.. ولمُتُ نفسى.. وعاتبتُ سنى.. الصغيرة هذه، لأننى لم أدرك هذه الخبرة ..الكبيرة! ساعتها.. ولكنى أدركت الإجابة لهذا السؤال بمجرد لفظى للسؤال!
 فالإجابه ببساطة كانت فى كلمات سؤالى نفسها.. ذاتها.
فضحكت.. وابتسمت بنفس ابتسامة هذا الكاتب الروسى الـ... الخبير!
وفى لقائى القادم أفسر لكم المعنى المقصود بـ.. «الحكواتى».
و ربما أخبركم... كيف تكون مخرجا عظيما!






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة