عقد السلطان العثمانى سليم الأول ديوانه فى دمشق يوم 2 ديسمبر عام 1516، وقرر فيه التحرك إلى مصر لاحتلالها، حسبما يؤكد الدكتور أحمد فؤاد متولى فى كتابه «الفتح العثمانى لمصر والشام».. كان «سليم» فى دمشق بعد أن سيطر على الشام، عقب انتصاره على المماليك بقياد السلطان قنصوة الغورى فى «مرج دابق» يوم 24 أغسطس 1516، وسقط الغورى صريعا.
وصل «سليم الأول» إلى دمشق يوم 27 سبتمبر 1516، وظل خارجها 12 يوما، ثم احتلها يوم 8 أكتوبر 1516، حسبما يذكر «متولى»، مضيفا أنه فى هذه الأثناء لم يكن أهل القاهرة يعرفون بهزيمة سلطانهم «الغورى» فى مرج دابق، حتى وصل الجنود الهاربون فى شهر أكتوبر 1516، وتأكدوا من خبر الهزيمة بعد أن رأوا بأعينهم فلول المماليك، وقد عادوا فى حالة سيئة من الكسرة والهزيمة، فسرت فيهم موجة من الرعب والخوف، ولم تكن هناك فسحة من الوقت للبحث والنقاش، فأسرع الأمراء فى مصر باختيار طومان باى سلطانا خلفا للغورى، فتمنع طومان باى فى أول الأمر غاية فى الامتناع حتى قال له الأمراء: «ما عندنا نسلطن إلا أنت طوعا أوكرها».
يؤكد «متولى» أن منصب السلطنة فى تلك الظروف كان غير مرغوب فيه، مما جعل كبار الأمراء يزهدون فيه، هذا إلى جانب أن طومان باى وهو أحد أمراء المماليك كان يعرف ما اعترى أخلاق المماليك فى ذلك الدور من تدهور وفساد، فلم يقبل السلطنة إلا بعد أن أحضر مصحفا شريفا وحلف الأمراء «بأنهم إذا سلطنوه لا يخونونه ولا يغدرون به ولا يخامرون عليه بقوله وفعله، وتسلطن فى 11 أكتوبر 1516 ولقب بـ«الملك الصالح».
هكذا صعد «طومان باى» إلى السلطة فى مصر، فى نفس الوقت الذى كان «سليم الأول» يقوى قبضته فى السيطرة على بلاد الشام، وبعد السيطرة على دمشق توجهت أنظاره إلى مصر، فبدأ فى كتابة رسائله إلى «طومان باى» يدعوه فيها إلى الذهاب إليه.. يذكر«متولى»: «فى يوم 10 نوفمبر 1516 وأثناء مقام سليم فى دمشق أرسل إلى طومان باى رسالة يطلب إليه أن يجىء هو ومن معه إلى عتبة السنية ليعرضوا الطاعة والولاء، ويطمئنه ومن معه على مستقبلهم، وفى أواخر الرسالة يهدد سليم، طومان باى ويحمله مسؤولية خروجه عن الطاعة وخروج تبعته، ويذكره بالقول المشهور «جولة الباطل ساعة وجولة الحق إلى قيام الساعة»، ويؤكد له أن جنوده طلاب الدين والدولة لن يفلت من قبضتهم شخص سواء كان فى مصر أو فى الحجاز أو فى اليمن».
رفض «طومان باى» مطالب «سليم الأول».. يؤكد «متولى»: «فى يوم 27 نوفمبر 1516 أمر بالتحرك على رأس جيش قوامه أربعة آلاف جندى لفتح غزة، وفى يوم الثلاثاء 2 ديسمبرعقد الديوان فى دمشق وتقرر فيه التحرك لفتح مصر، وفى يوم 18 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1516 كان سليم فى القنيطرة، بعد أن ترك دمشق يوم 15 ديسمبر، وكتب رسالة إلى «طومان باى» شديدة اللهجة، ومما جاء فيها: «من مقامنا السعيد إلى الأمير طومان باى، أما بعد فإن الله تعالى قد أوحى إلىّ بأن أملك الأرض والبلاد من الشرق إلى الغرب، كما ملكها الإسكندر ذو القرنين.. إنك مملوك منباع ومشترى ولا تصلح لك ولاية، وأنا ملك ابن ملك إلى عشرين جدا، وقد توليت الملك بعهد من الخليفة ومن قضاة الشرع، وإنى أخذت المملكة بالسيف بحكم الوفاة عن السلطان الغورى، فاحمل لى خراج مصر من كل سنة كما كان يحمل لخلفاء بغداد.. أنا خليفة الله فى أرضه، وأنا أولى منك بخدمة الحرمين الشريفين، وإن أردت أن تنجو من سطوة بأسنا فاضرب السكة فى مصر باسمنا، وكذلك الخطبة وتكون نائبا عنا بمصر، ولك من غزة إلى مصر ولنا من الشام إلى الفرات، وإن لم تدخل تحت طاعتنا أدخل إلى مصر وأقتل جميع من بها من الأتراك الجراكسة، حيث أشق بطون الحوامل، وأقتل الجنين فى بطنها من الأتراك الجراكسة».. ختم سليم رسالته بالآية القرآنية: «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا».
استشاط «طومان باى» غضبا مما جاء فى الرسالة، حسبما يؤكد «متولى»، مضيفا: «أمر بقتل الرسول الذى جاء بالكتاب «الرسالة»، ولما علم سليم الأول بما آل إليه حال رسوله استمر فى تحركه قاصدا مصر، فعبر فى يوم الجمعة 19 ديسمبر «جسر يعقوب» عليه السلام الواقع فى «وادى كنعان»،وصادف بئر يوسف عليه السلام».
فى يوم 22 يناير 1517 التقى الزحف العثمانى بقياد سليم الأول،بالمماليك بقيادة طومان باى في الرايدنية» شمال شرق القاهرة.. يؤكد «أبوغازى»: «دارت معركة عنيفة أبلى فيها طومان باى بلاء حسنا، واستمر يقاتل حتى انفض عسكره من حوله فانسحب متقهقرا إلى جنوب القاهرة، بعد أن كبد العثمانيين خسائر فادحة اعترف بها مؤرخوهم، وتمكن من قتل «سنان باشا» القائد والوزير العثمانى، بل إن السلطان سليم نفسه اعترف بصعوبة المعركة فى بشارة النصر التى أرسلها إلى الشام».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة