طارق الحريرى يكتب: يوميات المترو (8).. لم تكن فتاة لعوب

الأربعاء، 18 ديسمبر 2019 02:00 م
طارق الحريرى يكتب: يوميات المترو (8).. لم تكن فتاة لعوب مترو الأنفاق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مع اقتراب موعد القطار الأخير بدت محطة مترو الأنفاق كما لو غلبها النعاس، فى خامس أيام العيد الكبير وهو امتداد لأيام الإجازة، على غير العادة كانت الصالة الرئيسية وبها شباك التذاكر التى دائما ما تكون زحمة ودوشة بشر هادئة، وزاد الهدوء توقف الإذاعة الداخلية عن بث الموسيقى والأغنيات أو نداءات موظفى الإشراف، وفى آخر الليل يكون الناس مرهقين.

فجأة أشتعلت المحطة بالاضطراب المكتوم والإثارة، وأصاب أكثر الواقفين فى طابور التذاكر وكلهم رجال حالة من الانجذاب والتجلى المسحور، كأن الشيطان حط على عقولهم وغرائزهم، كان هدف عيون الجميع واحد، أنثى تتفجر فى كل تفاصيل جسدها روعة الجمال الأخاذ الملفت، ممشوقة القوام، فارعة الطول الذى لايزيد عن حده فى المرأة، ترتدى بنطلون استرتش يكاد أن "يتفرتك" عن ساقيها، وبلوزة جابونيز سوداء تكشف مع أذرعها نصف ظهرها، وكثير من صدرها، فتحات البلوزة وسوادها مع بشرتها البيضاء الأميل للخمرية جعل العيون تلتهمها، والخيال العابث يلعب برؤوس الرجال، فى مجتمع ودع أزياء المرأة العصرية وكان فيها المينى جيب والديكولتيه منذ ثمانينيات القرن الماضى.

تقدمت الفتاة العشرينية نحو شباك التذاكر وهى تدق بالكعب العالى وقد ران المكان بصمت رهيب، كانت تمشى دون أن تلتفت حولها، طاووسا يتحرك بثبات وثقة، لا يأبه للعيون المتلصصة، فريق يختلس النظرات وآخر لا يرفع أصحابه أعينهم عنها بجرأة وبجاحة ونهم، ونظرا لغياب طابور السيدات من المشهد فلم يكن هناك سواها، لذا توجهت إلى الشباك مباشرة وكان صوتها مسموعا وهى تطلب تذكرتين كان يقف أمامى شابان يتهامسان، قال أحدهم دى واخدة تذكرتين فرد الأخر واحدة تروح بيها الكباريه أو الزبون اللى حتبات عنده وواحدة ترجع بيها الصبح.

بعد أن تركت الشباك وقفت فى نصف الصالة تنتظر، وتظاهر صاحب وجهة نظر الكباريه بالمرور خلفها، وعندما اقترب منها لامسها بيده، فالتفت بسرعة البرق وضربته بقوة وغل بظهر يدها على وجهه، ضربة جعلت الدم ينفجر كالنافوره من أنفه نافورة، فاختطقه زميله إلى خارج المحطة وهو يؤنبه على البرشام اللى بيبلبعه وحيوديه فى مصيبة، وربما زميله يقول هذا حتى لا يعترضهما أحد، كان المشهد على مرأى من الجميع وكلهم كانوا يصبون عليها نظراتهم قبل هذه الواقعة، لهذا لم ينتبهوا لسيدة ستينية بدينة تتكئ على عصا وفدت إلى المحطة كانت شاهدا مثلهم على الواقعة سألتها:

- هو فيه أيه يابت

- مافيش حاجه يامه.

- مافيش حاجه ازاى وانا شيفاكى بتلطشى الوله على وشه.

- عيل ابن وس.. اتحرش بيا.

- هو راح فين ابن المرة.. وأنت إزاى ماضربتوهش بالجزمة.

- الجزمة برباط يامه.. وانا كنت لسه حاستنى أفكها.

- وإيه الدم اللى على الأرض ده.

- كسرت مناخير أمه يامه وخرت دم.

- بت أمك ومن ضهر راجل.

- وهو فين ابن الكلاب ده لازم أضربه بالشبشب اللى فى رجلى.

- بح يامه هرب وساب المحطة.

- داهيه تاخده هو واللى جايبينه.

- انتى أيه اللى أخرك فوق كده يامه.

- خالتك صباح كانت بتكلمنى فى موضوع الميراث.

- أيه ده يابت.

- خير يامه

- فين الشال بتاعك وانتى ماشيه كده زى ارتست الدرجة التالتة وسط عيون الرجالة الزايغة.

- الباتعة بنت خالتى فوقية خدته منى.

- ليه إن شاء الله يا عين أمك يا فالحه.

- التكييف فى الفرح كان ساقع قوى وبنتها الصغيرة لابسة فستان عريان وكانت بتترعش.. إديتها الشال كلفتت بيه العيلة اللى كانت حتموت من البرد.

- طب اتجرى قدامى ننزل المترو قبل ما واحد ... يقل عقله

كنت قد ابتعدت عن الأم وأبنتها قليلا أثناء هذا الحوار الذى فك كل ألغاز هذه الليلة العجيبة، وحتى لا ألفت نظرهما لى وأبدو متطفلا، أعطيت لهما ظهرى شاخصا ببصرى نحو سلم الشارع كأننى أنتظر وصول أحد، بينما كنت أتابع كلامهما بحرص وأغنانى صوتهما العالى عن تركيز الإنصات.

بدأ صوت الإذاعة الداخلية يجلجل السادة الركاب يصل آخر قطار اتجاه شبرا بعد دقيقين من الآن.. الرجاء سرعة التوجه إلى الرصيف.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة