خالد ناجح

السرّاج.. والى عكا الجديد

الإثنين، 02 ديسمبر 2019 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كم مرة هزمتنا الخيانة دون قتال.. وكم قرأنا الكثير عن قصص الخيانة.. فقد حفر التاریخ على صفحاته كثیراً من قصص الغدر والخیانة، ومن أشھر تلك القصص وأكثرھا تداولاً قصة الغدر التى تعرض لھا مؤسس الإمبراطوریة الرومانیة یولیوس قیصر من أحد أكثر المقربین إلیه وھو «ماركوس بروتس» الذى طعنه فى ظھره، وحین رأه قال كلمته الشھیرة: «حتى أنت یا بروتس» والتى أصبحت مثلاً لغدر وخیانة القریب، أما بروتس فقد لقى المصیر الحتمى للخونة وھو الخزى والھزیمة والانتحار، وقصص الغدر والخیانة كثیرة ولا یخلو منھا أى زمان ومكان، ویروى عن الدیكتاتور النازى ھتلر وصفه  للخونة الذین عاونوه وخانوا أوطانهم بقوله إنهم «أحقر الناس الذین قابلتھم فى حیاتى ھم أولئك الذین ساعدونى على احتلال أوطانھم»، ويقال إن أولى الخیانات العربیة ھى خیانة «أبو رغال» الذى عمل دلیلاً لجیش أبرھة لھدم الكعبة، ویشار إلى أبى رغال فى كتب التاریخ باحتقار شدید، حیث لم یعرف عن العرب فى ذلك الوقت من یخون قومه لأجل مصلحته الخاصة لكنه قد يكون أول الخائنين ولكن ليس آخرهم، ويبدو أن دور «والى عكا» الذى أداه الفنان توفيق الدقن فى فيلم «الناصر.. صلاح الدين» يتكرر كثيرًا، وبالطبع هنا ليس المقصود الشخصية الحقيقية الأمير بهاء الدين قراقوش الذى يعد أحد قادة جيش صلاح الدين الأيوبى وكان من أخلص أعوانه وأقربهم إليه، وكان قائدًا مظفرًا وكان جنديا أمينًا وكان مهندسًا حربيًا منقطع النظير، لكنى أقصد الشخصية الدرامية فى الفيلم والتى يقوم بها الآن «فايز السرّاج» رئيس وزراء حكومة الوفاق الليبية عندما فتح أبواب الاتفاقيات المشبوهة لـ«أردوغان»، ذلك الاتفاق الذى تم بين «الخائن الليبى والى عكا» و«القرد التركى» ويقضى باستباحة القوات التركية للأراضى الليبية جوًا وبحرًا دون استئذان ليسهل لأردوغان استمرار عدائه ضد الدول الثلاث مصر وقبرص واليونان، ظنًا أنه بذلك يهدد مصالحهم فى البحر المتوسط، لكنه واهم بالطبع، ومن أغراض ذلك الاتفاق أيضا حفاظ والى عكا على كرسيه بدعم من أردوغان الذى يدعم الميليشيات الإرهابية ليزيد من معاناة ليبيا وتقطيع أوصالها المقطعة أصلًا، وأيضا يعطى هذا الاتفاق فرصة لأردوغان للهروب من الضغوط الداخلية التى يواجهها؛ مثل انهيار الحزب والليرة وارتفاع الديون الداخلية والخارجية، لكن اللافت للنظر هو «البجاحة» التركية فى إعلان هذا الاتفاق، على الرغم من أن هذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك دعمها للإرهاب وتدخلها في الشأن الداخلى الليبى بالوقوف بجانب حكومة السرّاج المدعومة من الجماعات الإرهابية.
 
بالطبع هذا الاتفاق يشكل خطرًا على أمن وحدود مصر البحرية ويهدد حقوقها فيما يتعلق باكتشافات الغاز، خاصة المشتركة فيها مع قبرص واليونان، لكن وفى الخلفية من هذه الأحداث لا أستبعد الدور الأمريكى غير الراضى عن السياسة المصرية بعد 30 يونيو من حيث استقلال قرارها الوطنى ورفضها السير فى ظل أى دولة وتتخذ مواقفها من منطلق أمنها القومى دون حساب لأى قوى مهما كانت.
 
وأردوغان كعادته لا يستطيع أن يسير فى هذا الطريق إلا بغطاء من المؤسسات الأمريكية التى ترى فى النظام المصرى خطرًا على مشروعها فى تقسيم الشرق الأوسط ومؤسسات وشركات أخرى ترى فى تنوع السلاح المصرى خطرًا على حلفائها فى المنطقة، وأن القاهرة وقفت كسد منيع أمام تنفيذ مخططاتهم، ولذلك تجد قضايا حقوق الإنسان فى مصر تتصدر فجأة وسائل الإعلام ومواقع التواصل مستخدمة قنوات الإخوان ومواقعهم وحتى صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى، كما لا يمكن أن نتجاهل أو نستبعد التغيير المفاجئ لموقف ترامب من الأزمة الليبية، فبالأمس القريب اتصل بحفتر وأثنى عليه واليوم وقف مع حكومة السرّاج، وأعتقد أن هذه الألاعيب تدخل فى إطار الضغط على مصر باستخدام القرد التركى الذى يضع الديناميت فى شرق المتوسط ضد القاهرة وأثينا ونيقوسيا، وهذ الأفعال الصبيانية قد تحرق المنطقة وتدفع بمواجهات عسكرية لن تكون تركيا الرابح فيها.
 
الاتفاق الأمنى الجديد الذى وقعته حكومة الوفاق مع تركيا، يعد تطوراً خطيراً للتدخلات التركية فى ليبيا، فهذه الاتفاقية ما هى إلا غطاء لمزيد من تسليح الميليشيات الموالية للوفاق، ومحاولة لنجدتهم خاصة بعد الهزائم المتتالية فى مواجهة الجيش الليبى بمعركة طرابلس، كما أنها بوابة لتثبيت أقدام تركيا فى ليبيا.
 
مصر بالطبع وجهت رسالة واضحة وحاسمة وقاطعة إلى النظام التركى ورئيس ما يسمى بالمجلس الرئاسى فايز السرّاج، بعد توقيعهما مذكرتى التفاهم المشبوهة وأدانت مصر الإعلان عن توقيع أنقرة مع رئيس مجلس الوزراء الليبى فايز السرّاج على مذكرتى تفاهم فى مجال التعاون الأمنى وفى مجال المناطق البحرية. 
 
كما حثت مصر المجتمع الدولى على الاضطلاع بمسئولياته لمواجهة هذا النهج السلبى الذى يأتى فى توقيت دقيق للغاية تتواصل فيه الجهود الدولية بالتنسيق والتعاون مع الأشقاء الليبيين فى إطار مسار برلين للتوصل لاتفاق شامل وقابل للتنفيذ يقوم على معالجة جميع جوانب الأزمة الليبية، بما يحافظ على وحدة ليبيا وسلامتها الإقليمية، ويساعد على استعادة دور مؤسسات الدولة الوطنية بها، ويساهم فى محاربة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة واستعادة الأمن، وتعبر مصر عن مخاوفها من تأثر عملية برلين السياسية جراء هذه التطورات السلبية.
 
كما أجرى وزير الخارجية سامح شكرى، اتصالاً هاتفياً بكل من وزير خارجية اليونان «نيكوس دندياس» ووزير خارجية قبرص «نيكوس خريستودوليدس»، حيث تداول مع كل منهما الموقف وتم التوافق بين الوزراء الثلاثة على عدم وجود أى أثر قانونى لهذا الإجراء الذى لن يتم الاعتداد به لكونه يتعدى صلاحيات رئيس مجلس الوزراء الليبى وفقاً لاتفاق الصخيرات، فضلاً عن أنه لن يؤثر على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط بأى حال من الأحوال.
هذه الاتفاقيات معدومة الأثر القانونى، إذ لا يمكن الاعتراف بها على ضوء المادة الثامنة من اتفاق «الصخيرات» السياسى بشأن ليبيا، الذي ارتضاه الليبيون، وتلك المادة تحدد الاختصاصات المخولة لمجلس رئاسة الوزراء، حيث تنص صراحةً على أن مجلس رئاسة الوزراء ككل، وليس رئيس المجلس منفرداً، يملك صلاحية عقد اتفاقات دولية.
 
وأكدت الخارجية أنه فى كل الأحوال فإن توقيع مذكرتى تفاهم فى مجالى التعاون الأمنى والمناطق البحرية وفقاً لما تم إعلانه هو غير شرعى ومن ثم لا يلزم ولا يؤثر على مصالح وحقوق أية أطراف ثالثة، ولا أثر له على منظومة تعيين الحدود البحرية فى منطقة شرق المتوسط.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة