مفتى الجمهورية: الأديان جاءت لضبط حياة الإنسان وتقبل الآخر من سمات التدين الصحيح

الإثنين، 23 ديسمبر 2019 02:31 م
مفتى الجمهورية: الأديان جاءت لضبط حياة الإنسان وتقبل الآخر من سمات التدين الصحيح مفتى الجمهورية فى ندوة بجامعة بنى سويف
كتب أسامة عبد الحميد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أكَّد فضيلة الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، أن الدين من مكونات المنظومة الحياتية للإنسان، وهو الضابط لهذه الحياة، فقد اقتضى خلق الإنسان ووجوده نوعين من الهداية: هداية فطرية وهداية تشريعية، فإذا حادت فطرة الإنسان عن مسارها الصحيح احتاجت إلى الهداية التشريعية، جاء ذلك فى كلمته بندوة نظمتها جامعة بنى سويف تحت عنوان: "ظاهرة الأمن الفكرى ومناهضة الإرهاب" بحضور الدكتور منصور حسن، رئيس الجامعة.

وأشار مفتى الجمهورية إلى أن أول سمات التدين الصحيح عدم الانفصال بين الإيمان القلبى وعمل الجوارح، فالعلاقة بين إيمان القلب وعمل الجوارح من أهم قضايا الإيمان، فلا يمكن أن يكون إنسان كامل الإيمان فى القلب مع عدم عمل الجوارح مطلقًا، ولقد ذكر القرآن الكريم الإيمان وذكر معه العمل الصالح فى أكثر من سبعين آية.

وأضاف فضيلته أن من سمات التدين الصحيح هو الإخلاص فى القول والعمل، موضحًا أن الإخلاص هو أن يريد بطاعته التقرب إليه تعالى وحده، وليس تصنعًا لمخلوق، أو اكتسابَ محمدة عند الناس، فالمتدين حقًّا غايته رضا الله، يعبد الله كأنه يراه، وأفعاله وأقواله موجهة لله وحده ابتغاء الأجر والثواب؛ فلا يتاجر بالدين ولا يستغله للوصول إلى تحقيق مآربه.

 وأشار الدكتور شوقى علام إلى أن تتبع المنهج الشرعى الصحيح المأخوذ عن العلماء يعد من أهم سمات التدين الصحيح، وهذا المنهج هو ما عبر عنه ابن عباس حين قال للخوارج: "جئتكم من عند أمير المؤمنين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم" فأخبر أنه جاءهم من عند الصحابة، الوارثين العلم عن النبى الكريم، وورَّثوه للتابعين وتابعيهم حتى وصل إلى الأزهر الشريف، ذلك المنهج الصحيح الذى يربط بين الشكل والمضمون بوضوح تام، ولا يفصل بحال بينهما.

وقال مفتى الجمهورية إن الأمة الإسلامية تميزت دون سائر الأمم بالوسطية، والتى تعنى التوسط والاعتدال بين طرفى الإفراط والتفريط. ولقد سلك المتطرفون مسلك التشدد وركبوا مركب التعصب باسم التمسك بالسنة المطهرة، لكن نصوص السنة واضحة وقطعية فى نبذ التشدد والغلو.

وأوضح أن عدم الانفصام بين العبادة والأخلاق هو من صحيح التدين، وقد اشتُهر على الألسنة أن الدين المعاملةُ، والمقصود بالمعاملة الأخلاق. وفى التدين الحقيقى لا فصل بين الإيمان والأخلاق والعمل، ويؤصل لهذا المعنى حديث جبريل عليه السلام المشهور، حين سأل النبى عليه الصلاة والسلام عن الإسلام والإيمان والإحسان، فقد بيَّن هذا الحديث الشريف أن الإسلام: شعائر وعقائد وأخلاق. والأخلاق هى مرتبة الإحسان.

ولفت فضيلته إلى أن المسلم الحق يكون مشاركًا بإيجابية فى المجتمع فلا يعيش كَلًّا على أحد، بل يسعى لعمله كما يسعى إلى صلاته، يصلح بين المتخاصمين، ويجود بماله ووقته من أجل الآخرين، ويحارب الفساد، ويتصدى للمنكرات، ويتعاون مع أفراد المجتمع من أجل رقيه والنهوض به امتثالًا لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].

وأكد فضيلة المفتى أن تقبل الآخر والتعايش معه بالتسامح والمحبة تعد من سمات التدين الصحيح، فالإسلام يقرر أن الناس كلهم من أصل واحد، وأنهم خُلقوا كلهم من نفس واحدة، وأنهم جُعلوا شعوبًا وقبائل ليتعارفوا.

وأضاف أن المتدين تدينًا صحيحًا هو الذى يؤمن بأن البشر جميعًا تجمعهم رابطة الأخوة الإنسانية، فهو يقبل الطرف الآخر ولا يُقصيه؛ لأن الإسلام أكد على وحدة البشرية وإن تعددت شرائعهم.

وعن احترام الأديان والمقدسات قال مفتى الجمهورية إن الإسلام يدعو الى احترام الأديان، كما يحرِّم الاعتداء على دور العبادة الخاصة بالمسلمين وغيرهم، ويدعو إلى تقبل التعددية العقدية؛ لأن الناس لن تجتمع على دين واحد؛ لأن الاختلاف سنة الله فى هذا الكون؛ قال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة}.

وأضاف أن حب الوطن والحفاظ على أمنه واستقراره يعد أساسًا من أسس التدين الصحيح؛ لأن المسلم الحق هو الذى يحب وطنه ويعمل جاهدًا على دعم مقومات الدولة والحفاظ على مؤسساتها؛ لأن فى ذلك حفاظًا على شعائر الدين ورعايةً لمصالح الخلق وانضباطًا لحياتهم. وهذا من الإصلاح الذى قال الله تعالى عنه: ﴿وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف 142]، فالمتدين بحق هو أبعد الناس عن معانى الإفساد فى الأرض.

وقال فضيلته: "على نقيض ما سبق فقد انحرف عن منهج الإسلام القويم فى القديم والحديث فئة فهموا الدين على غير مراده، فخالفوا مقاصده، وأتوا فيه بمعانٍ ومفاهيم جديدة وغريبة، ادَّعوا أنها تمثل صحيح الدين ، وهذه الفئة الضالة قد ابتدعت دينًا موازيًا جديدًا، وهذه الجماعة هى جماعة الخوارج، وهم أصحاب التدين المغشوش".

 وأوضح أن أصحاب التدين المغشوش يزعمون الاختصاص بالحق من دون سائر الخلق، رغم أن شريعة الإسلام تشهد للأمة كلها بالخيرية. يقول الله عز وجل: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]. وقال نبينا الكريم ﷺ: «وَجُعِلَتْ أُمَّتِى خَيْرَ الْأُمَمِ». وجماعات الخوارج تخص نفسها بالهداية والاستقامة، وترمى الناس بالزيغ والهلاك وتصف مجتمعات المسلمين بالجاهلية وترى فى نفسها أنها هى جماعة المسلمين.

كما أنهم يتخذون الدين وسيلة لتحصيل أمور دنيوية، مع أن شريعة الإسلام تأمرنا بتنفيذ أوامر الله والالتزام بالدين طاعةً لله عز وجل ورغبة فى تحقيق رضاه، ودين الخوارج يجعل ذلك وسيلة تحقيق أهداف دنيوية يلبسونها ثوب الدين، فيرفعون شعار الدين يخدعون به الناس لتحصيل الدنيا.

هذا فضلًا عن غلوهم فى الدين الذى من أبرز سماته الوسطية وعدم التنطع، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [ البقرة: 143]. وحذرنا النبى ﷺ من التشدد والغلو فقال: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِى الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِى الدِّينِ». وأخبرنا ﷺ عن جوهر دعوته وحقيقتها فقال: «بُعِثْتُ بِالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ». بينما دين الخوارج يرى أن التشدد والغلو علامة على حسن دين صاحبه.

وقال فضيلته إن شريعة الإسلام ترشدنا إلى أن حب الوطن من الإيمان، وتبين لنا أن الانتماء الوطنى أمر فطرى وواجب شرعي، وتوضح لنا أن قوة الوطن قوة للدين، فى حين أن دين الخوارج وأهل التدين المغشوش يعتبر محبة الأوطان شركًا، ويرى أن التعاون مع مؤسسات الدولة والعمل بها كفر، فهم فى خصام وتنافر مع مظاهر عمارة الأرض وضد كل نجاح بشري، فهم لم يقدموا أى شيء نافع لمجتمعاتهم أو أمتهم.

وأضاف أن أهل التدين المغشوش من شأنهم دائمًا الانتقاص من أهل الاختصاص والتطاول على علماء الأمة، ويجترئون بذلك على انتهاك المحرمات، ويصدرون الفتاوى الضالة، ويأمرون بالفتن، ويظنون أنفسهم من أهل العلم.

واستعرض فضيلة المفتى خلال الندوة ثمرات التدين الصحيح على الفرد والمجتمع والدولة، فأشار إلى أن التدين الصحيح بما يستلزمه من الإيمان يهدى الله صاحبه إلى معرفة الحق، وإلى العمل به، وإلى الشكر على النعم، والصبر على المكاره والمصائب، كما أنه يحقق التوازن بين مطالب الروح ومطالب الجسد، ويحقق الأمن والاستقرار النفسي؛ قال تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} (الأنعام:82).

وبالنسبة للمجتمع أوضح فضيلته أن من ثمرات التدين الصحيح تحقيق أمن واستقرار المجتمع من خلال تطبيق تعاليم الدين من قِبَل الأفراد فيأمن كل إنسان فى المجتمع على دينه ونفسه وعرضه وماله، كما أنه يحافظ على مؤسسات الدولة من التخريب والإفساد؛ بما يحفظ على الدولة هيبتها ويؤدى إلى استقرارها، ويعمل على تقدم الدولة بإنشاء المشروعات وجذب الاستثمارات والنهوض بالتنمية مما يؤدى إلى ازدهارها.

وفى المقابل تحدَّث فضيلة المفتى عن الآثار المترتبة على التدين المغشوش فأشار إلى أن المتدين تدينًا مغشوشًا يشعر بثقل ما جاءت به الشريعة عليه بسبب تشدده وغلوه فى الدين، وكذلك كراهية الناس له ونفورهم منه، وفشلهم فى التواصل والتعايش معه.

وأضاف أن أهل التدين المغشوش يقومون بنشر ظاهرة التكفير بلا موجب وما يترتب عليه من آثار لها خطرها على أفراد المجتمع؛ مما يؤدى إلى زعزعة الاستقرار وقطع الوشائج والصلات بين أفراد المجتمع، كما يتساهلون فى أمر سفك الدماء فتضعف حرمة دم الإنسان فى النفوس؛ مما يؤدى إلى شيوع التطرف الفكرى وغياب المنهج الشرعى الصحيح المأخوذ عن العلماء.

أما عن تأثير التدين المغشوش على الدولة فأوضح فضيلته أنه يؤدى إلى تخريب المؤسسات وإفسادها، والعمل على انهيار كيانها مما يؤدى إلى ضياع الدولة وفقدها هويتها، وعرقلة مسيرة التنمية التى تؤدى إلى تقدم الدولة وازدهارها.

 

مفتى الجمهورية فى ندوة بجامعة بنى سويف  (1)
مفتى الجمهورية فى ندوة بجامعة بنى سويف (1)

 

مفتى الجمهورية فى ندوة بجامعة بنى سويف  (2)
مفتى الجمهورية فى ندوة بجامعة بنى سويف (2)

 

 

مفتى الجمهورية فى ندوة بجامعة بنى سويف  (3)
مفتى الجمهورية فى ندوة بجامعة بنى سويف (3)

 


 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة