عندما قررت موسكو الدخول بقواتها العسكرية إلى الأراضى السورية، كان التحرك يحظى بقدر كبير من الشرعية الدولية، رغم اعتراض الولايات المتحدة، ومن ورائها دول المعسكر الغربى، حيث كانت الخطوة التى اتخذها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بناء على طلب من النظام الشرعى فى دمشق، وهو الأمر الذى يكفله القانون الدولى، حيث يبقى التدخل الخارجى فى الشئون الداخلية لأى دولة شرعيا إذا جاء بناء على طلب من النظام الشرعى الحاكم، وهو الأمر الذى ربما تسعى تركيا إلى تكراره فى ليبيا، ولكن مع اختلاف المعطيات والأهداف.
المحاولة التركية لاستنساخ النموذج الروسى تجلت بوضوح فيما تم الإعلان عنه مؤخرا، حول طلب حكومة الوفاق الليبية بقيادة فايز السراج، لأنقرة بالتدخل عسكريا فى ليبيا، وهو الأمر الذى جاء بأوامر صريحة من أردوغان، والذى وقع مؤخرا اتفاقا غير شرعى مع ليبيا، يتضمن تعاونا أمنيا واقتصاديا، حيث إن حكومة السراج ليست مخولة لتوقيع الاتفاقات الدولية، لأن البرلمان هو صاحب الحق الأصيل فى ذلك، وذلك طبقا لاتفاق الصخيرات.
صفة الشرعية تنتفى عن أى تحرك تركى عسكرى على الأراضى الليبية، على اعتبار أن "ما بنى على باطل فهو باطل"، بالإضافة إلى عدم شرعية النوايا التركية، والتى تقوم على دعم الميليشيات المتطرفة، وهو ما يساهم ليس فقط فى زعزعة واستقرار الداخل الليبى، أو حتى النطاق الإقليمى، وإنما يمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، والذى يمثل الأساس الذى نشأت الأمم المتحدة من أجل تحقيقه، فى أواخر الأربعينيات من القرن الماضى، حيث سيمتد الخطر الناجم عن مثل هذه الخطوة، إلى دول أوروبا الغربية من خلال تدفق اللاجئين، بينما سوف يتسلل بينهم عناصر إرهابية، تهدف إلى ضرب العمق الأوروبى، فى تكرار للمشهد المأساوى الذى سبق وأن خلفته الأزمة السورية، عبر تأجيج حربا أهلية، ستأكل الأخضر واليابس فى الداخل، بينما تنتقل تداعياتها إلى العالم بأسره.
وهنا تبدو محاولة أردوغان لاستنساخ الدور الروسى فى سوريا، سوف يحول المشهد الليبى إلى مأساة جديدة على غرار المشهد السورى، وهو ما يضع الديكتاتور الطامح للخلافة المزعومة، فى مأزق جديد، حيث أن المشهد الدولى تجاه ليبيا لا يبدو منقسما على غرار ما كان عليه الوضع إبان القرار الروسى بالتدخل فى سوريا، حيث كافة القوى الدولية المؤثرة رافضة تماما لهذا التحرك، وعلى رأسها الولايات المتحدة، والذى أعرب رئيسها دونالد ترامب، فى اتصاله الهاتفى بالرئيس عبد الفتاح السيسى، أمس الخميس، عن رفضه لأى دور خارجى فى ليبيا، وكذلك الاتحاد الأوروبى، والذى يجد نفسه مهددا جراء خطوة أنقرة المحتملة، بينما تبقى روسيا أكثر الدول المناوئة للدور التركى فى ليبيا، حفاظا على مكتسباتها التى حققتها فى سوريا، وعلى رأسها القضاء على تنظيم داعش الإرهابى.
يبدو أن الدور التركى أصبح مكشوفا للعالم بأسره، بينما تصبح خطواته المتواترة كاشفة إلى حد كبير لانعزاله، فأصبح مجردا من الحلفاء، فى الوقت الذى صار فيه دمية بيد القوى الدولية الكبرى، تحركه كيفما شاءت، وهو ما بدا بوضوح فى تقييد تحركاته فى سوريا، فى أعقاب العدوان الهمجى الذى شنته قواته، عبر تنسيق غير مسبوق بين واشنطن وموسكو، حيث نجحت الأولى فى منعه من مواصلة انتهاكاته، عبر التلويح بعصا العقوبات، بينما تمكنت الأخيرة من السيطرة الكاملة على منطقة الشمال السورى، عبر الاتفاق الذى نجح فيه قيصر روسيا من إرغام الخليفة المزعوم على القبول به فى سوتشى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة