لا جديد فى جعبة الدكتاتور التركى رجب طيب أردوغان، فميراث الكراهية حاضر لكل ذى بصر، وخيوط المؤامرة واضحة لكل ذى بصيرة، والإجابة دوماً وإن حاول إنكارها: مصر.. التى كانت قبل مئات السنين رقماً صعباً فى المعادلة وحصناً يأبى على الانصياع لولاية المحتل العثماني، وصارت ـ ولا تزال ـ رمزاً لانهيار مؤامرات التنظيم الدولى للإخوان والعثمانيين الجدد.
فما بين التوسل للقوى الإقليمية حيناً، وابتزازها حينا أخرى، كانت مصر نصب أعين السفاح العثماني. وما بين إدمان الرهانات الخاسرة على كيانات منقوصة الشرعية فى دول عانت ويلات الإرهاب وغياب الاستقرار، ومحاولات يائسة للتسلل إلى بلاد العرب، كانت مصر دائماً هدفاً وإن أنكر.
وبعد مؤامراته المفضوحة فى سوريا التى آلت إلى فشل يضاف إلى سجله الحافل بالإخفاقات، تحرك أردوغان صوب ليبيا وتونس، آملاً فى استعادة نفوذ غادر أنقرة منذ أن سكن قصورها، وطمعاً فى نهب ثروات تعينه على ترميم ما أحله فى بلاده من خراب، وواهماً فى ضرب استقرار دول عربية كبرى فى مقدمتها مصر.
تحرك أردوغان بخطوات تكشف لمن يقتفى أثرها أن السفاح لا تزيده الدماء إلا ظمأً وأن الاستعمار جين وراثي، ينتقل عبر الدم من الأجداد إلى الأحفاد، حتى وإن تخلوا شكلياً عن عمامة العثمانيين، وإن ارتدوا صورياً ثوب الحملان.
لماذا تونس ؟
وللسفاح فى تونس أطماع عدة.. ففى "الخضراء" برلمان موالي، يهيمن عليه الأهل والعشيرة من عناصر التنظيم الدولى للإخوان وغيرهم من الإرهابيين الذين لا تفارق أياديهم الزناد وإن امتهنوا السياسة، بقيادة حركة النهضة الإخوانية، فبعد الخسارة المدوية لمشروع التنظيم الإرهابى للسيطرة على عروش العرب فى أعقاب ثورات 2011، وسقوط نظام الإخوان فى مصر، يحتاج أردوغان لنفوذ يعوضه ما خسره فى ثورة 30 يونيو الشعبية، حينما وقف المصريون على قلب رجل واحد ويعلنونها صريحة : لن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، ولن تسقط مصر فى دوامات الظلام.
اردوغان فى ضيافة قيس سعيد بحثاً عن ترويج لمشروع الخراب فى المنطقة
وفى تونس محن تولد من رحم الأزمات، ودواوين حكم حل عليها مؤخراً الرئيس قيس سعيد الذى تولى زمام السلطة محملاً بميراث فشل من سبقوه فى أعقاب ثورات الربيع العربي، وأولهم الإخوان الذين اختاروا أن يبيعوا الوهم للتونسيين بشعارات زائفة ليمروا بقصر قرطاج مروراً عابراً دون أن يتركوا خلفهم إلا الفتن والدماء والمزيد من الخراب.
وأمام تزايد الأزمات وتفاقم التحديات، طرق الدكتاتور التركى رجب طيب أردوغان أبواب قرطاج فى زيارة إلى تونس حاول من خلالها تسويق مؤامراته فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأن يتخذ من تونس موطئ قدم يمكنه من التسلل إلى الداخل الليبي، لنهب ثروات الليبييين وتثبيت أقدام عملائه من قادة المليشيات الإرهابية وأمراء الدم والنار.
زار أردوغان تونس، وروج منفرداً لجملة من الأكاذيب والادعاءات عن توافق تونسى تركى على المؤامرة التى يقودها فى ليبيا، ليجيء الرد من الرئاسة التونسية، حاسماً وقاطعاً: "تصريحات الررئيس التركى لا تعكس فحوى اجتماعه مع الرئيس قيس سعيد، والدعم المتفق عليه فى ليبيا لا يكون بدعم طرف على حساب الآخر، ونؤمن بأولوية الحل السلمى وحقن دماء الليبييين. وأن تونس لن تقبل بأن تكون عضوا فى أى تحالف أو اصطفاف على الإطلاق، ولن تقبل أبدا بأن يكون أى شبر من ترابها إلاّ تحت السيادة التونسية وحدها"، فكان طبيعياً أن يحاول الدكتاتور العبور مرة أخرى، وطرق أبواب جديدة والعودة مجدداً إلى طرابلس.
لماذا ليبيا ؟
وفى ليبيا أرض لم تبح بكامل ثرواتها، وجغرافيا تمنحها موقعاً استراتيجياً تمكن من يملى عليها نفوذه أن تؤثر فى صانع القرار داخل أوروبا، وأن تعرقل ما تدشنه مصر من تحالفات استراتيجية عنوانها السلام والبناء والتقاسم العادل للثروات فى البحر المتوسط، ومواجهة مخططات الاستعمار الجديد المتخفى تحت عباءة الإسلام السياسي.
فى ليبيا جيش حق يدافع عن ميراث المجاهد عمر المختار يقوده المشير خليفة حفتر، و"بلفور جديد" يدعى فايز السراج، متحصناً بشرعية منقوصة نالها فى زمن اختلت فيه المعايير، واختلط فيه الحق بالباطل بعدما دمر الناتو الأخضر واليابس، ودمر ـ بمساعدة تركية بحكم عضوية أنقرة فى الحلف ـ ما تبقى من مؤسسات، وسلم الليبييين رهينة لأمراء الإرهاب ودعاة التطرف.
وأمام الانتصارات المتتالية التى يحققها الجيش الوطنى الليبى فى ميادين الحرب على الإرهاب، واقترابه من استعادة طرابلس وتحريرها من قبضة المليشيات التى تحمى المخطط التركي، وتحمى ما يعرف بـ"المجلس الرئاسي" الذى يقوده السراج، كان طبيعياً أن يتحرك أردوغان وبقوة لإبرام اتفاقيته المشبوهة مع "السراج" بزعم التعاون الأمنى والتنسيق فى مجال الملاحة البحرية، ليمتلك بذلك ما يلزم من ذريعة للتدخل وإنقاذ عملائه من قادة المليشيات الإرهابية وعناصر التنظيم الدولى للإخوان داخل التراب الليبي.
وبعد الرد التونسى الصادم، وفضح الرئاسة التونسية أكاذيب أردوغان، جاء التحرك التركى هذه المرة من قلب ليبيا، وعلى لسان الحليف فايز السراج، ليجاهر الأخير دون خجل بالخيانة، ويعترف بلا مواربة بالعمالة، ويعلن مجلسه المزعوم وحكومته غير الشرعية رسمياً طلب دعم عسكرى جوى وبرى وبحرى لصد الهجوم الذى يشنه الجيش الوطنى الليبي، وهو ما جعل المؤامرة ماثلة لكل ذى بصر، وحاضرة لكل ذى بصيرة.. فليس لحماية عميل يتحرك أردوغان، وليس فقط لنهب ثروات الليبييين يحشد ما يحركه من جيوش مرتزقة، فحدود المؤامرة هو ما بعد ليبيا، وما خلف خطوطها.. فالإجابة فى كل تحركاته: مصر.
وفيما ينسج الدكتاتور شباك مؤامراته الجديدة، كشف موقع نودريك مونيتور السويدى مستندات صادمة عن مؤامرات تركيا ضد الدولة المصرية منذ عام 2013، بعد سقوط حكم الإخوان، مشيراً إلى أن الدبلوماسيين الأتراك مولوا مسيرات موالية لجماعة الإخوان الإرهابية فى بروكسيل وغيرها من العواصم الأوروبية لتقديم صورة مغايرة للواقع عما يحدث فى مصر وحقيقة ثورة 30 يونيو الشعبية.
ثورة 30 يونيو بداية انهيار مشروع تركيا والتنظيم الدولي للإخوان
الإجابة كانت مصر، ولا تزال.. فخيوط المؤامرة التركية امتدت منذ ذلك الحين لتشمل محاولة إقصائها من الأنشطة العسكرية التى تأتى ضمن مشاركة دول المتوسط مع دول حلف الناتو، بما فى ذلك التدريبات والمناورات المشتركة، بحسب مستندات تابعة لوزارة الدفاع التركية تعود إلى عام 2015، انفرد بنشر تفاصيلها الموقع السويدي.. الإجابة كانت دائماً مصر، فالسبب وراء كل لحظة جنون: مصر، وميراث العار الذى توارثته الأجيال فى اسطنبول منذ زمن الخلافة البائد، إلى سفاح العصر: مصر، لكن الفشل ـ كما كان حليفاً فى الأمس، ينتظر أردوغان فى موعد جديد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة