قبل بضعة أعوام كان الذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى بمثابة مادة خصبة للخيال العلمى فقط الذى نشاهده في أفلام هوليوود، لكن الأمر لم يعد كذلك خلال الألفية الثالثة، حيث تعدت تلك التقنيات نطاق الخيال العلمى لتصبح ذات وجود حقيقى ومتطور في حياتنا بجميع القطاعات.
بالتفكير فقط فى كثير من الأشياء التى لم تكن موجودة قبل بضع سنوات، مثل سهولة معالجة البيانات الضخمة Big Data، والترجمة الآلية الفورية، وروبوتات الدردشة التفاعلية Chatbots التى يمكنها إجراء محادثات شخصية مؤتمتة مع العملاء على نطاق واسع، وحتى تقنية التزييف الشهيرة (DeepFake) التى تُستخدم فى تزييف مقاطع الفيديو بطريقة يصعب كشفها، كان سيبدو الأمر غريبًا قبل أعوام مضت، لكن الآن أصبحت هناك تطلعات لمزيد من تلك التقنيات.
هناك أيضًا التعلم العميق وأنظمة معالجة اللغة الطبيعية (NLP) وتطبيقاتها التى تعتبر أحد أهم التوجهات المسيطرة على المجال التقنى فى الفترة الأخيرة، حيث تعتمد عليها كبرى شركات التقنية لتطوير خدماتها، فعلى سبيل المثال اعتمدت جوجل عليها لتطوير العديد من خدماتها ابتداءً من محرك البحث مرورًا بمنصة يوتيوب، و"Gmail"، وخدمة الخرائط وحتى المساعد الصوتى الذى يتعرف على اللغة ويقدم ترجمة فورية، وكذلك اعتمدت عليها فيسبوك لتقديم توصيات تناسب مستخدمو التطبيق فى خلاصة الأخبار، كما اعتمدت عليها أمازون أيضًا لتطوير مساعدها الصوتى أليكسا، وغير ذلك الكثير.
وفى إطار الابتكارات التكنولوجية الحديثة، شهد عام 2019 تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى واحتلالهما لمركز الصدارة فى العديد من المجالات، حيث تتطلع الشركات بشكل متزايد إلى الاستفادة من هذه التقنيات بطرق متعددة. وقد حاولت العديد من الشركات تحسين تجربة المستخدم لديها بدمج الذكاء الاصطناعى فى كل الحلول التى تقدمها تقريبًا، كما يعمل العلماء على تعليم الآلات التفكير واتخاذ القرارات كما يفعل البشر، ولا شك أن تطور الذكاء الاصطناعى وتأثيره على البشر سوف يسيطر على قطاع التكنولوجيا بشكل أكبر خلال السنوات قادمة، لذا استعرض موقع شبكة "العربية"، في أحد تقاريره أبرز تطورات الذكاء الاصطناعى خلال عام 2019، وهى كالتالى:
التعلم الآلى للروبوتات
1- التعلم الآلى والتعلم العميق
يعتبر (التعلم العميق) Deep learning أحد أنواع (التعلم الآلى) Machine Learning، وهما من أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعى، ويُعرف التعلم العميق بأنه عبارة عن تطبيق ذكاء اصطناعى يسمح للأنظمة بتحسين وظائفها تلقائيًا من خلال اكتساب المعرفة من التجربة ثم استخدام الشىء نفسه فى معالجة البيانات والحسابات المعقدة، وبناء عليه لن تحتاج الآلات إلى برمجة بشكل منفصل لكل وظيفة حيث أصبح التعلم العميق ممكنًا بمساعدة الوصول إلى البيانات التى جمعتها الأجهزة، وبالتالى تعزيز قدرتها على التعلم، وتختار الشركات التعلم العميق لأنظمتها من أجل تحسين أدائها والحصول على نتائج دقيقة، وتحديد المخاطر التى قد تتعرض لها، والعمل على تجنبها.
ونظراً لأن توجه الذكاء الاصطناعى يمكّن الآلات من اتخاذ قرارات سريعة، فإن أهم المجالات التى تستخدم فيها الشركات التعلم الآلى تشمل، أنظمة التنبؤ والتصنيف، والتعرف على الكلام، والرؤية الحاسوبية، والسيارات الذاتية القيادة.
من أهم الأمثلة على تطور التعلم الآلى والتعلم العميق خلال عام 2019، هو نجاح شركة OpenAI فى تدريب نظام روبوتى يُسمى (Dactyl) لحل لغز (مكعب روبيك) Rubik’s cube بيد واحدة اعتماداً على اكتساب المعرفة من العالم الحقيقى، حيث تدرب الروبوت بالكامل من خلال المحاكاة وكان قادراً على نقل المعرفة إلى وضع جديد بنجاح.
كان التحدى الأكبر الذى واجهه الباحثون فى شركة OpenAI هو إنشاء بيئات فى المحاكاة متنوعة بما يكفى لالتقاط كل الحركات فى العالم الحقيقى، لذلك استخدموا تقنية تُسمى التوزيع العشوائى للنطاق Automatic Domain Randomization (ADR) لتحسين قدرات اليد لحل لغز مكعب روبيك، حيث تم توليد بيئات أكثر صعوبة تدريجياً بلا نهاية فى المحاكاة لتدريب الشبكات العصبية.
الذكاء الاصطناعى يساعد البشر فى حياتهم اليومية
2- تقنية.. Deepfake لتحويل صورة ثابتة واحدة إلى فيديو
قامت شركة سامسونج خلال شهر مايو بتطوير نظام يمكنه إنشاء مقاطع فيديو وهمية لشخص ما باستخدام صورة واحدة ثابتة، ولقد استخدموا تقنية التعلم الآلى المعروفة باسم (شبكات التعارض التوليدية) GANs لإنشاء مقاطع فيديو وهمية عن طريق التقاط صورة واحدة فقط كمدخلات، واستخدم باحثون من سامسونج تركيب الصورة الطبيعية عالية الدقة لتمكين نماذج التعلم الآلى من أن تتعرف على الشكل الهندسى الأساسى لوجه شخص ما بحيث يمكن إضافته كقناع على وجه شخص آخر يتحدث فى مقطع فيديو، وقد تمكنوا من إنتاج فيديو من لوحة الموناليزا نفسها.
3- كتابة المحتوى
أصدرت شركة OpenAI يوم 14 فبراير نموذجاً لغوياً يُسمى (GPT) يستطيع إنشاء فقرات نصية متماسكة، ويحقق أداءً متطورًا فى العديد من معايير نماذج اللغة، ويقوم بالترجمة الآلية والإجابة على الأسئلة.
وقد أصدرت الشركة يوم 5 نوفمبر النسخة الكاملة من النموذج تحت اسم (GPT-2) والذى تمكن من تحديد السياق وإنشاء نص قوى من تلقاء نفسه من خلال كتابة بضع جمل، ولقد تم تدريب النموذج على أكثر من 8 ملايين صفحة إنترنت، مما أدى إلى إنشاء محتوى يصعب تحديد ما إذا كان نصًا قد كتبه إنسان أو نظام ذكاء اصطناعى.
ويقول التقرير "إذا كان الذكاء الاصطناعى قد أصبح قادرًا على تحليل كميات ضخمة من البيانات، وتقليد البشر فى اتخاذ قرارات بناءً على هذه البيانات، وحتى قرارات يمكن القول إنها أفضل حيث إن الآلات ذات القدرات العالية يمكنها أن تمتلك قدرًا هائلًا من المعرفة أكثر من أى إنسان فى الواقع، أليس بإمكانه أيضًا أن يكتب المحتوى بالمستوى نفسه الذى يكتب به الإنسان أو حتى أفضل منه؟".
حدث هذا بالفعل فى عالم الصحافة عام 2015، ففى ذلك الوقت نشرت وكالة (أسوشييتد برس) Associated Press خبرًا اقتصاديًا بعنوان "آبل تتصدر توقعات وول ستريت للربع الأول من العام"، وبمجرد قراءة هذه الفقرة ستقول إنها مكتوبة من قبل إنسان حقيقى، ولكن إذا قرأت حتى النهاية فستجد أنها أُنشئت باستخدام تحليلات مؤتمتة بمعنى آخر: هذه العبارة كُتبت (أو تم توليدها إن صح التعبير) من قِبل ما يُسمى الصحفى الآلى "robot journalist".
روبوت يحل لغز مكعب روبيك
4- معالجات تعتمد على الذكاء الاصطناعى
كان هناك توجه شائع خلال عام 2019 وهو تطوير معالجات أجهزة تعتمد فى عملها على الذكاء الاصطناعى AI chips، ما يتيح للشركات دمج توجهات الذكاء الاصطناعى، مثل: التعرف على الوجه والكلام والتعلم الآلى فى أنظمتها.
ولإتاحة هذه المعالجات للمستهلكين تعمل كبرى الشركات مثل: إنتل، وإنفيديا، وكوالكوم، وARM، و AMDعلى الاعتماد على الذكاء الاصطناعى فى تطوير معالجتها حتى يتم دمج ميزات مثل: التعرف على الكلام والوجه بالأجهزة، ومن أهم الصناعات التى ستعتمد بشكل كبير على هذه المعالجات هى: السيارات، والرعاية الصحية، حيث يمكن أن تساعد فى إنقاذ الكثير من الأرواح.
5- تقنيات الذكاء الاصطناعى التى تتكيف مع استخدامات الإنسان
كما شهد عام 2019 منافسة قوية بين أجهزة المكبرات الصوتية وخاصة بين جهازى (جوجل هوم) Google Home، و(أليكسا) Alexa من أمازون، وكانت المنافسة فى المقام الأول على مزايا الذكاء الاصطناعى التى أُضيفت فى كلا الجهازين فعلى سبيل المثال: (مساعد جوجل) يدعم الآن تنفيذ 3 أوامر على التوالى، والترجمة الفورية بلغات مختلفة، وإجراء محادثات لحظية بما يصل إلى 27 لغة، فى حين تدعم أليكسا الكثير من الميزات التى تسهل عمليات طلب البضائع من أمازون ودفع ثمنها من خلال الأوامر الصوتية.
لقد كانت المساعدات الصوتية هى الفئة الأكثر إثارة هذا العام فهى تنمو بسرعة كبيرة حتى كادت تصل إلى مستوى الفئات السابقة السريعة النمو مثل: الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، وأجهزة الكمبيوتر، وأجهزة التلفزيون الذكية.
6- تحسين تقنية التعرف على الوجه
كذلك تطورت تقنية التعرف على الوجه بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، حيث تُستخدم الآن فى كل مكان ابتداءً من المطارات، ومحطات السكك الحديدية، ومراكز التسوق، والخدمات المالية، وحتى جهات تنفيذ القانون، لذلك فإن سوق هذه التقنية ينمو بشكل كبير، إلا أن تقنية التعرف على الوجه تواجه العديد من المشكلات، ولعل أبرزها: عدم الدقة فى تحديد الهوية، والمخاوف من التحيز العرقى، وهو ما يسعى الباحثون إلى التغلب عليه من خلال الذكاء الاصطناعى.
تقنيات الذكاء الاصطناعى فى الهاتف المحمول
7- الحوسبة السحابية
إضافة إلى هذا شهد مجال الحوسبة السحابية تطورًا واضحًا خلال السنوات القليلة الماضية بفضل التكامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعى التى سهلت التحليلات والتنبؤات واستخراج البيانات مما ساعد فى تقليل التكلفة، وزيادة الانتشار.
فى الوقت الحالى؛ تشمل قائمة كبرى الشركات فى مجال الحوسبة السحابية كلاً من: "على بابا" وجوجل وأمازون ومايكروسوفت، ويفترض الخبراء أن هذه الشركات سوف تلعب أدواراً أكثر تأثيراً خلال عام 2020 مع استمرارها فى التوسع على المستوى العالمى.
8- الأمن الإلكترونى
وتشير التقارير إلى أن زيادة التطور فى الخدمات السحابية وانتشارها سيساهم فى زيادة الخروقات الأمنية، وسيؤدى هذا إلى تعرض بيانات المستخدمين للخطر، كما سيجبر الشركات التى تعتمد على الحوسبة السحابية إلى البحث عن طرق أكثر ذكاءً للتأمين.
وقد اعتمدت شركات الأمن الإلكترونى فى تطوير برمجياتها على تقنيات الذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى لتصبح أكثر ذكاءً، وقد ظهرت فى الفترة الأخيرة آلية Cyber Defense التى تركز على توفير الاستجابات فى الوقت المناسب للهجمات أو تهديدات البنية التحتية المعلوماتية، كما يتم الآن استخدام الشبكات العصبية المتكررة القادرة على معالجة تسلسل المدخلات مع تقنيات التعلم الآلى لإنشاء تقنيات تعلم خاضعة للإشراف والتى يمكنها كشف نشاط المستخدم المشبوه، كما يمكنها اكتشاف ما يصل إلى 95% من جميع الهجمات الإلكترونية.
كما أن الذكاء الاصطناعى سيكون مكونًا رئيسيًا فى توصيل وإدارة خدمات شبكات الجيل الخامس 5G اللاسلكية، وهذا سيتطلب الاعتماد أكثر على تقنيات الذكاء الاصطناعى من أجل التأمين، ولكن من المتوقع أيضًا أن تصبح البرمجيات الضارة أكثر تطورًا خلال 2020 نظرا لاعتماد القراصنة على تقنيات الذكاء الاصطناعى أيضًا فى تطويرها، ما سيزيد من عدد التهديدات التى ستواجهها الشركات فى السنوات القادمة.