يتعمد التيار السلفى فى كل عام إصدار فتاوى تحرم الاحتفال بالكريسماس، أو تهنئة غير المسلمين بهذه المناسبة، تحت مزاعم أن هذا الاحتفا لبدعة، كما أنهم يحرمون تهنئة الأقباط بهذا العيد، تحت مزاعم أن هذه التهنئة منهى عنها فى القرآن وهو ما رد عليه أزهريون ودار الإفتاء بالتأكيد على أن هذا الاحتفال حلال شرعا، وأن تهنئة الأقباط بهذا العيد أيضا حلال، مشيرين إلى أن المسلمين لهم عيدين شرعهما الله عز وجل ولكن لم يأت النهى لنا عن الاحتفال بالمناسبات الهامة بل هى تدخل تحت قوله تعالى.
شيوخ سلفية عديدة حرمت الاحتفال بالكريسماس، وكذلك حرمت تهنئة الأقباط بهذا العيد، من بينهم ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، الذى حرم تهنئة الأقباط بعيدهم زاعما أنه من الأمور المتفق على النهى عنها عند الصحابة والسلف رضوان الله عليهم.
من بين من حرموا أيضا الداعية السلفى حسين مطاوع، الذى قال فى تصريحات له عبر صفحته الرسمية على "فيس بوك": إذا كنا نقول بدعية الاحتفال بالمولد النبوى وننكر على من يحتفل به لمخالفة ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفعل صحابته والتابعين من بعده فكيف بمن يشارك المسيحيين احتفالهم بميلاد المسيح، فالمسلم الذي يقر بهذا الاحتفال لا يخلو من حالتين أن يعلم أن هذا الاحتفال محرم وهذا لا عذر له فلا يجوز له أن يهنئهم ولو على سبيل المجاملة".
وتابع الداعية السلفى: بل قد يخرجه ذلك من الملة إن اعتقد صحة هذه العقيدة ، فإن أعيادنا حق جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لكن عيدهم هذا باطل لأنهم يحتفلون فيه بميلاد المسيح أو أن يكون جاهلا بالحكم الشرعي وعليه فالواجب عدم كتمان الحق عنه وتعليمه فإن أصر بعد البيان فإنه يلحق بصاحب الحالة الأولى ".
على نفس النهج السلفى يقول أبو اسحاق الحوينى، إنه يحرم على المسلم أن يشارك غير المسلم في أي عيدٍ من الأعياد، كما اعتبر الداعية السلفى مصطفى العدوى أن الاحتفال بالكريسماس هو من باب الاحتفال بأعياد غير المسلمين، التى يحرم الاحتفال بها فليس لهذا فى الإسلام أصل.
فى المقابل أكد الشيخ أحمد البهى الداعية الأزهرى، أن فتاوى التيار السلفى بتحريم احتفال المسلمين بالكريسماس، وكذلك تهنئة الأقباط بعيد ميلاد المسيح هى فتاوى غير شرعية وباطلة، حيث إن الاحتفال بهذه المناسبة حلال، لعدة أسباب مشيرا إلى أن أول تلك الأسباب هو أن احتفال الكريسماس هو احتفال المسيحيين بميلاد المسيح من كل سنة ونحن كمسلمين ليس عندنا تاريخ محدد لمولد المسيح عليه السلام، فإذا احتفلنا به في نفس الوقت فليس بأساً بذلك ما دام الاحتفال لم يخرج عن ضوابط الشرع الحنيف كما نحتفل بميلاد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بتذكر سيرته وإطعام الطعام والإحسان إلى الناس وتهنئة الغير.
وقال الداعية الأزهرى، فى تصريح لـ"اليوم السابع"، إن السبب الثانى يتمثل فى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم القائل في حق سيدنا عيسى عليه السلام: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ» رواه البخارى.
وتابع أحمد البهى: مزاعم السلفيين بأن الاحتفال بالكريسماس بدعة وأن البدعة حرام أمر ليس فى الإسلام من شىء، فهذا هو التفكير السلفى وما يدسوه في عقول الناس ، لافتا إلى أن السبب الثالث فى أن الاحتفال بالكريسماس ليس حرام هو أنه ليس كل أمر مستحدث يعد بدعة مذمومة ، فالمسلمون لهم عيدين شرعهما الله عز وجل ولكن لم يأت النهي لنا عن الاحتفال بالمناسبات الهامة بل هى تدخل تحت قوله تعالى (وذكرهم بأيام الله).
بدوره أكد الدكتور على محمد الأزهرى، عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف، أن تهنئة المسلمين لغير المسلمين بأعيادهم ليست حرامًا، واصفًا تحريم السلفيين تهنئة المسيحيين بالكريسماس بأنها فتاوى شاذة، قائلاً إن هناك أصواتًا كثيرة وتعليقات تفوقها فى الكثرة ترى حرمة تهنئة المسيحيين بالعام الجديد أو تهنئتهم فى أعيادهم، وألفاظ ربما لا تليق فى التعليقات، والحق أننى رأيت من واجبى أن نحتكم إلى نصوص الشرع الشريف، ومنها على سبيل المثال: قال تعالى: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، ومن ألوان البر معاملتهم برفق ولين، وتمنى الخير لهم، والدعاء لهم، فهل التهنئة خرجت عن الدعاء وتمنى الخير لهم.
وقال عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف، لـ"اليوم السابع"، إنه عند الإمام البخارى فى الأدب المفرد سعيد بن جبير عنه أنه قال: (لو قال لى فرعون : بارك الله فيك، لقلت: وفيك. وفرعون قد مات)، فهذا كافر، وليس بصاحب كتاب، ومع ذلك على غرار هذه القاعدة طالما قدموا لنا التهنئة فى أعيادنا أليس من باب الأدب وحفظ الجميل أن نقدم لهم التهنئة فى أعيادهم؟!
وتابع عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف، أيضًا ما أخرجه الإمام البخارى بإسناد حسن في كتابه (الأدب المفرد) عن سيدنا عقبة بن عامر رضي الله عنه: أنه تبع رجل نصرانى، كان قد ألقى عليه السلام، فرد عليه عقبة السلام كاملًا، فأخبروه أنه نصرانى، فتبعه ثم فقال له: أطال الله حياتك وأكثر مالك وولدك.
دار الإفتاء ردت على هذه الفتوى الشاذة، بتأكيدها بأن الاحتفال بالكريسماس ليس حراما، حيث قالت إن المسلمين يؤمنون بأنبياء الله تعالى ورسله كلهم، ولا يفرقون بين أحد منهم، ويفرحون بأيام ولادتهم، وهم حين يحتفلون بها يفعلون ذلك شكرًا لله تعالى على نعمة إرسالهم هداية للبشرية ونورًا ورحمة، فإنها من أكبر نِعم الله تعالى على البشر، والأيام التي وُلِدَ فيها الأنبياء والرسل أيامُ سلام على العالمين، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك؛ فقال عن سيدنا يحيى: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 15]، وقال عن سيدنا عيسى: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 33]، وقال تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات: 79]، وقال تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الصافات: 109]، ثم قال تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الصافات: 120]، إلى أن قال تعالى: ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ .
وتابعت دار الإفتاء فى فتواها: إذا كان الأمر كذلك، فإظهار الفرح بهم، وشكر الله تعالى على إرسالهم، والاحتفال والاحتفاء بهم؛ كل ذلك مشروع، بل هو من أنواع القرب التي يظهر فيها معنى الفرح والشكر لله على نعمه، وقد احتفل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيوم نجاة سيدنا موسى من فرعون بالصيام؛ فروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون يومًا -يعني: عاشوراء-، فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكرًا لله، فقال: «أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ» فصامه وأمر بصيامه. فلم يعدَّ هذا الاشتراك فى الاحتفال بنجاة سيدنا موسى اشتراكًا في عقائد اليهود المخالفة لعقيدة الإسلام، وبناءً عليه: فاحتفال المسلمين بميلاد السيد المسيح من حيث هو: أمرٌ مشروعٌ لا حرمة فيه؛ لأنه تعبيرٌ عن الفرح به، كما أن فيه تأسِّيًا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم القائل في حقه: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ».
واستطردت: هذا عن احتفال المسلمين بهذه الذكرى، أما تهنئة غير المسلمين من المواطنين الذين يعايشهم المسلم بما يحتفلون به؛ سواء فى هذه المناسبة أو في غيرها؛ فلا مانع منها شرعًا، خاصة إذا كان بينهم وبين المسلمين صلة رحم أو قرابة أو جوار أو زمالة أو غير ذلك من العلاقات الإنسانية.