الاختبارات النفسية للمعلمين المتقدمين لمسابقة التوظيف الجديدة، التى أعلنت عنها وزارة التربية والتعليم مؤخرا لتعيين 120 ألف معلم، سنة حسنة ومحمودة يجب أن يتم تعميمها فى كل مؤسسات الدولة، فالحالة النفسية لأى معلم أو إدارى أو عامل أو أى صاحب مهنة هامة للغاية، فالثبات النفسى والانفعالى يحدد حجم العطاء الذى يقدمه للعمل، بل ويجب أن يتم تكرار هذه الاختبارات بين فترة وأخرى على العاملين الحاليين فى مختلف مؤسسات الدولة، وأن يكون الأمر بمنطق المتابعة والرعاية والدعم النفسى، لا للإقصاء والإبعاد وحرمانهم من حقوقهم وترقياتهم، فيجب أن تضع الحكومة الاهتمام بالموارد البشرية على رأس أولوياتها.
لا يجب أن ننظر للاختبار النفسى باعتباره مزايدة أو إهانة للمتقدمين لوظائف التعليم الجديدة، بل يجب أن نعتبره خطوة نحو تحقيق المزيد من الاستقرار والتطور للعملية التعليمة خلال الوقت الراهن، خاصة مع تطور المناهج وتغير شخصية الطالب والمعلم بصورة تجعل من الضرورى أن يكون التقييم على أساس نفسى وسلوكى، بأن يتم اختباره فى مواقف مختلفة، وكيف يتصرف فيها، ومدى احتماله للغضب أو استعداده للممارسة الأنشطة مع الطلاب، والتفاعل معهم وحل مشكلاتهم والتواصل بصورة تليق بمكانة المعلم لدى الطالب.
الاختبار النفسى ليس معناه أن هناك اشتباها فى خلل عقلى لمن يخضع له، أو أن هناك احتمالا لإصابته بالجنون أو المرض النفسى، لكنه بالأساس قياس ومؤشر يتم الاعتماد عليه لمعرفة قدرة هذا الشخص على تنفيذ مسئولياته ومهامه بنجاح، وقدرته على التفاعل مع البيئة المحيطة، بصورة تجعل ناتج العمل أكثر كفاءة، وقطاع التعليم تحديدا يعانى على مدار السنوات الماضية من ترهل كبير، نتيجة دخول عناصر غير مؤهلة فنيا ونفسيا للتدريس والعملية التعليمية، وقد كانت النتيجة أن النظام التعليمى القديم فقد قدرته على التواصل مع الطالب، وابتعد الجميع عن المدرسة، وظهرت الظاهرة المتوحشة المعروفة " الدروس الخصوصية"، التى تعتبر نتيجة مباشرة لتراجع دور المعلم.
أتمنى تعميم تجربة الاختبارات النفسية لأى وظيفة يتم التقدم لها فى الدولة خلال الوقت الراهن، وأن يكون التعيين مرهونا باجتياز هذه الاختبارات، حتى نضمن أن من يُقدم على عمل يحبه وقادر على العطاء فيه وابتكار الجديد، دون أن يكون الموضوع مقتصرا على مجرد فكرة وظيفة أو "شغلانة"، فالعطاء فى العمل لم يعد رفاهية، بل أصبح ضرورة فى ظل دولة تطمح أن تتغير وترسم ملامح جديدة لاقتصادها خلال الفترة المقبلة، فدعونا نكرر التجربة فى القطاعين العام والخاص، وأن يكون الأمر بصورة علمية منظمة، يتولاه خبراء ومتخصصون، حتى نضمن لهذه التجربة أن تنجح وتعيش.