أكرم القصاص

الانتقائية الافتراضية.. هل تحل «حوائط الفضفضة» مشكلة الانتحار؟

الخميس، 05 ديسمبر 2019 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم تتوقف حالات الانتحار طوال سنوات ويوميا هناك حالة على الأقل يتم نشرها فى الصحف، ويرى البعض أن النشر الواسع وانتشار أدوات التواصل هو الذى يعطى شعورا بتزايد حالات الانتحار، وأن كثيرا من هذه الحوادث لم تكن تجد طريقها للنشر الفورى مثلما هو حادث الآن، لكن عددا من خبراء علم النفس يرون أن العصر الحالى يضاعف من عزلة البشر وعجزهم عن تفريغ آلامهم وغضبهم وأحزانهم، الأمر الذى يدفع البعض إلى خيار إنهاء الحياة، مع الأخذ فى الاعتبار أن بعض حالات الانتحار تأخذ مجالا أكبر من غيرها، مثلما جرى مع المهندس الشاب، أو طالبة الصيدلة، بينما تتراجع حالات أخرى، على الرغم من أنها تحدث يوميا. وهى أمور تتصل بالتوقيت ومدى تركيز السوشيال ميديا فى لحطة عن أخرى.. وهى انتقائية افتراضية يجب الاعتراف بها.
 
لكن هناك قطاعا من أطباء الأمراض النفسية يرجعون بعض حالات الانتحار إلى خلل عقلى، ويؤكدون أن المرض النفسى والعقلى عضويا كان أو نفسيا، لا يجد اهتماما من المجتمع، ولا يتعامل معه الأهل باعتباره مرضا يحتاج إلى علاج، فضلا عن مشاعر الخجل التى تدفع الأسر إلى إنكار وجود مريض نفسى، خوفا من المجتمع، وأن البعض من الأسر يفضل اللجوء إلى الدجالين أو المعالجين بالقرآن أو السحر، وهو ما يضاعف من أعراض المرض. وهناك أكثر من حالة لشباب اتضح بعد إقدامهم على الانتحار أنهم مصابون بمرض نفسى، وأن الأهل أنكروه أو تجاهلوه مما انتهى به للانتحار. 
 
بالطبع فإن هناك بعض حالات الانتحار يقدم عليها البعض، بدوافع اقتصادية مثل الفقر، لكن أغلب الحالات ترجع لأسباب اجتماعية أو نفسية، خاصة أن الانتحار يتزايد فى الدول وبين المجتمعات ذات الرفاهية مثلما يحدث فى الفئات الوسطى والفقيرة، بل هناك أنواع من الانتحار الجماعى القائم على أنواع من العقائد والأيديولوجيات المتطرفة لكن تظل فكرة العزلة فى مجتمع متعجل ومتصارع، وحتى فى ظل وجود أدوات الاتصال والتواصل، بل إن هذه الأدوات كشفت عن اتساع دوائر المرض النفسى، وقد تتيح لبعض المعقدين تفريغ عقدهم أو مشاعرهم السلبية، بينما تنشر بعض الحسابات والأفراد ما يسمى طاقة سلبية توسع من ضغوط الواقع افتراضيا ومن ثم فعليا.
 
وقد أهابت النيابة العامة بأولياء الأمور، بعد أن كشفت تفاصيل انتحار الطالبة شهد أن يرفُقوا ببناتهم وأبنائهم ويمنحوهم وقتا ويستمعوا إليهم. ويشاركوهم الآلام والآمال. وناشدت النيابة العامة «جميع أطياف المجتمع أن يضعوا الأمر فى نصابه، أن ينظروا إلى المرض النفسى كما ينظرون إلى سائر الأمراض، أن يقوا أصحابه شرور نظراتهم، أن يرحموهم من همزهم ولمزهم؛ وتقول النيابة: «لا تغلقوا أمامهم أبواب العلاج». وربما هى المرة الأولى التى تتصدى النيابة الى فكرة المرض النفسى، بعد ان توصلت الى وجود حالات انتحار كان أصحابها مرضى نفسيون تم إهمالهم أو التقليل من خطورة ما يعانونه..
 
ومن بيان النيابة، تتجه الأنظار إلى أن تتيح الدولة ومؤسساتها الطبية وجمعيات الطب النفسى الفرصة لخلق مؤسسات يمكنها أن تتيح لمن يعانون الضغط أو الاكتئاب أن يحصلوا على مساعدة طبية وعلاج مع الحفاظ على الخصوصية. أو أن تتيح وسائل التواصل إمكانية فتح باب الفضفضة لمن يحتاجونها، ومن يعانون من العزلة والخجل أو الخوف، مع إمكانية تقديم النصح أو العلاج بشكل إنسانى.
 
بالطبع لا يتوقع أن تتوقف حالات الانتحار، لكن يمكن من خلال حوائط الفضفضة أن يتم إنقاذ بعض من يواجهون العالم مع شعور بالوحدة أو الاستبعاد، أو الكراهية، وهى مشاعر أصبحت تظهر بشكل أكبر وأعمق من تطورات العالم وتشعباته وتعقيدات تفاصيله.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة