يعانى العراقيون خلال الفترة الحالية موجة من العنف ونزيف الدم بين المتظاهرين وقوات الجيش والشرطة، حيث نشبت مواجهات عنيف بينهم فى إطار المظاهرات التى خرجت تطالب باستقالة الحكومة العراقية، وتوفير حياة معيشية كريمة، ما اضطر رئيس الوزراء العراقى عادل عبد المهدى، إلى إعلان استقالته فى نهاية المطاف بعد فشل محاولات احتواء المتظاهرين.
نزيف الدم فى شوارع العراق الذى تجاوز ضحاياه 400 قتيل معظمهم من المتظاهرين، وجهت أصابع الاتهام فيه على مدار الأسابيع الماضية لعناصر الحرس الثورى الإيرانى وميليشياته المسلحة فى العراق والمدعومة من طهران، إلا أن السلطات العراقية والإيرانية على حد سواء كانت دائمة النفى لجميع التقارير التى تشير لتورط كتائب الحرس الثورى الإيرانى فى قتل المتظاهرين العراقيين.
وفى مفاجأة جديدة تتعلق بهذا الشان، كشفت وثائق استخبارية - اطلعت عليها "اندبندنت عربية" - أن كتائب حزب الله العراقية، التى يقودها نائب رئيس هيئة الحشد الشعبى أبو مهدى المهندس، وترتبط مباشرة بالحرس الثورى الإيرانى، هى المسؤولة عن الهجوم المسلح الذى تعرض له المتظاهرون قرب جسر السنك وساحة الخلانى، الموازية لساحة التحرير، وسط بغداد، مساء الجمعة، وتسبب فى سقوط عدد من القتلى والجرحى.
ميليشيات الحشد الشعبى تستخدم أسلحة متوسطة وقاذفات صواريخ ضد المتظاهرين
أكدت الوثائق الصادرة عن وزارة الداخلية العراقية، أن عناصر هذه الميليشيا التى تنتمى رسميًا إلى هيئة الحشد الشعبى - المصنفة على أنها جزء من القوات المسلحة العراقية - وفقاً للقوانين النافذة، أودعوا أسلحة متوسطة وقاذفات صواريخ من نوع RBG فى مقرهم بأحد المساجد شرق بغداد، بعد استخدامها خلال الهجوم المسلح.
وتحدثت الوثائق بدقة عن تجمعات وحركة سلاح بين التاسعة والحادية عشرة من مساء الجمعة، وهى الساعات التى شهدت تنفيذ الهجوم المذكور، مشيرة إلى أن تعداد المهاجمين تراوح بين 300 و400 مسلح، كما وصفت الوثائق، نوعية المركبات التى استخدمها المهاجمون، ورصدتها كاميرات متظاهرين لحظة تنفيذ الهجوم.
الإسعاف تنقل مصابين فى العراق
الصدر يصدر تعليمات صارمة بالامتناع عن استخدام السلاح
لم تقتصر تجاوزات الحشد الشعبى عند هذا الحد، فوفقاً لمصادر طبية، فإن 17 متظاهرًا، بعضهم من مؤيدى رجل الدين الشيعى مقتدى الصدر، قتلوا خلال هجوم ميليشيا كتائب حزب الله على متظاهرى السنك والخلانى، فيما أصدر مصدر مقرب بارز من الصدر، تعليمات صارمة بالامتناع عن استخدام السلاح.
وأعلن صالح محمد العراقى، المقرب من الصدر، عبر "فيسبوك"، تعرض مقر الأخير فى النجف (الحنانة)، فجر السبت، إلى قصف بطائرة مسيرة، وذلك ردًا على الأوامر التى أصدرها بحماية الثوار ليلة البارحة فى بغداد والنجف سابقًا.
فيما، أوضح مصدر لوكالة الصحافة الفرنسية، أن القذيفة سقطت عند الجدار الخارجى لمنزل الصدر، الموجود فى إيران حاليًا - وفق ما أكدت مصادر عدة - وقال شهود عيان، إن مدنيين من أتباع الصدر (القبعات الزرق) حاولوا حماية المتظاهرين خلال الهجوم، لكن قيس الخزعلى، زعيم حركة عصائب أهل الحق - التى اتهمت بمساعدة كتائب حزب الله فى الهجوم، الجمعة - أشار إلى أن أنصار الصدر كانوا مسلحين فى الموقعين، مطالبًا بإخلاء الساحات منهم.
وعندما كان الخزعلى يعلق على هذه التطورات، كانت وسائل الإعلام تتداول أخبار شموله بالعقوبات الأمريكية، بسبب تورطه فى قتل المتظاهرين العراقيين، كما سبق الهجوم على السنك والخلانى، عن طريق تنظيم تظاهرة، الخميس، لعناصر من ميليشيات عراقية موالية لإيران فى ساحة التحرير، طعن مشاركون فيها المعتصمين بالسكاكين.
المظاهرات العراقية
الأحزاب السياسية توجه جمهورها المنظم للنزول إلى الساحات
ويقول تقرير "إندبندنت عربية"، "بعد فشل تجربة التظاهرات المضادة، التى نفذتها الأحزاب الحاكمة، فى إجهاض حركة الاحتجاج الواسعة ضد الفساد وسوء الإدارة والمحاصصة، تختبر السلطة نموذجًا جديدًا يقوم على فكرة "التوازن الاجتماعى" فى ساحات التظاهر، على اعتبار أن المحتجين لا يمثلون الشعب العراقى كله".
وفى هذا السياق، تشجع الأحزاب السياسية الكبيرة جمهورها المنظم، على النزول إلى الساحات، ومحاولة خلق التوازن مع المتظاهرين الموجودين فيها منذ مطلع أكتوبر الماضى، من خلال رفع شعارات مختلفة.
ولتمكين الجمهور الحزبى من الصمود فى الساحات، تعمل الأحزاب على إشاعة مفاهيم جديدة، من قبيل ضرورة حماية المراجع الدينية الشيعية والحفاظ على سلمية التظاهرات، لتكريس فكرة تشير إلى أن المحتجين المطالبين بإسقاط النظام لم يكونوا سلميين، أو أن لديهم نوايا تتعلق بتفكيك المنظومة المذهبية، التى يقوم عليها النفوذ الشيعى فى البلاد.
ويضيف التقرير أنه "عمليًا، بدأ الجمهور الحزبى فى الاستجابة جزئيًا لهذه الدعوات، لاسيما عندما ترتبط بفكرة أن التظاهرات التى انطلقت فى أكتوبر، تهدد استمرار مؤسسات الدولة فى أداء مهامها، وتقترب من إفشال العام الدراسى الحالى بسبب انخراط قطاع واسع من الطلاب والمدرسين فى الإضراب".
مواجهات عنيفة فى المظاهرات العراقية
القادة السياسيون يستغلون الموظفون الحكوميون لفض الاعتصامات
وعلى جانب آخر، يراهن القادة السياسيون على استفزاز مشاعر الموظفين الحكوميين بشأن مصدر رزقهم، وتشير تقديرات غير رسمية، إلى أن الموظفين الحكوميين عددهم يناهز الخمسة ملايين موظف، وبالمقارنة بأعداد المتظاهرين فى ذروة حركة الاحتجاج، ستكون الغلبة للموظفين، وهنا تسعى الأحزاب إلى حصد ما زرعته خلال الأعوام الماضية، عندما وفرت وظائف حكومية لجماهيرها، لضمان نفوذها فى مؤسسات الدولة من جهة، وضمان ولائهم لها من جهة أخرى.
وفى هذه المرحلة، تغذى شائعات عن إمكانية توقف الرواتب الحكومية إذا استمر المحتجون فى الضغط على الشرايين الاقتصادية للدولة، لاسيما عمليات إنتاج النفط وتصديره، إذ يمول البترول نحو 95% من الموازنة السنوية للبلاد.
بينما، يتحدث نشطاء فى ساحة التحرير عن "جمهور مختلف"، بدأ يظهر فى موقع الاحتجاج خلال اليومين الماضيين، ما يمكن أن يمثل مقدمة لنجاح خطة السلطات العراقية فى صناعة التوازن الاجتماعى داخل ساحات التظاهرات فى بغداد والمحافظات الأخرى.