أمين سلامة أول صيدلى بالعزبة: لم يفرق معى معرفة زملائى أن أهلى يعملون فى جمع القمامة أم لا
النماذج تشمل أطباء ومهندسين ومحامين ومدرسين وغيرهم
ماذا تعرف عن عزبة الزبالين؟ عند طرح هذا التساؤل فإن التصور الأولى لن يخرج عن استدعاء الصورة النمطية عند الغالبية، وهى أنها تلك المنطقة العشوائية الواقعة عند جبل المقطم التى يعمل أهلها فى جمع وتدوير القمامة، وتعانى من الفقر والبطالة وعدم انخراطهم فى التعليم.
فعليا يعتبر هذا التصور خاطئا فى الوقت الحالى، خاصة مع زيادة نسبة الأيدى العاملة، وعدم المعاناة مع وارتفاع معدل الدخل لأهلها، وهو ما دفعهم للحرص على الحاق أبنائهم بالتعليم.
وتشهد العزبة حاليا وجود العديد من خريجى الجامعات المختلفة وبينهم كليات القمة، مثل الطب والهندسة فى تخلٍ واضح عن بعض العادات القديمة وهو اقتصار مهمة الأبناء على مساعدة الآباء فى جمع القمامة فقط.
وذلك بفضل جهود متواصلة قام بها عدد من أبناء المنطقة الذين استطاعوا الحصول على الشهادات الجامعية منذ 20 عاما، ومنهم عزت سلامة الذى كرمه كوفى عنان بنفسه، تقديرا لدوره الخدمى والثقافى داخل عزبة الزبالين، والدكتور صيدلى أمين سلامة، ورزق يوسف الذى سعى إلى تطوير مهنة الآباء والأجداد والتوسع بها لتشمل مجالات أخرى لا تقتصر على جمع القمامة فقط، وإنما تمتد للدخول فى إعادة التدوير والتصدير للخارج رغم حصوله على شهادتى ليسانس الحقوق، وليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية.
بعد تجاوز العديد عشرات الورش العاملة فى فصل وتدوير القمامة نجد الكثير من المنازل التى نقشت عليها الصلبان وبجوارها الآيات القرآنية فى تكامل للصورة التى يمكن مشاهدتها، حيث تتعانق صلبان الكنائس مع المساجد.
أعلى جبل المقطم يقع منزل عزت نعيم أحد خمسة أفراد حصلوا على مؤهلات عليا مثلوا النواة الأولى فى جيل المتعلمين بالعزبة عام 1993 والذين استطاع الحصول على بكالوريوس تجارة إنجليزى والعمل على العديد من المشروعات التنموية للنهوض بعزبة الزبالين التى استحق عنها العديد من التكريمات الدولية، ومنها تكريم شخصى من الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفى عنان.
«إحنا مش زبالين أنتم اللى بتعملوا الزبالة وأنا باخدها منكم يبقى ماتقولوش علينا زبالين».. هكذا بدأ عزت حديثه مع «اليوم السابع»، جالسًا على أريكة أسفل صورة والده معترضًا على التوصيف الذى يطلق على جامع القمامة وهو «الزبال»، مؤكدًا أنه وصف غير مستحق ويجب إنهاؤه.
كان والد عزت نعيم يعمل فى جمع القمامة وهى المهنة التى ورثها عن والده وسعى لنقلها لابنه الأكبر الذى كان من الممكن أن ينتهى به الحال، ليكون أحد جامعى القمامة فى حى منشية ناصر لولا تدخل أمه وإصرارها على تعليمه وتقديم أوراقه بنفسها للمدرسة فى وقت كان يعتبر ذلك خروجًا على التقاليد والعرف السائد، وهو ما يشرحه بقوله: «أمى كان ليها فضل كبير فى أنى دخلت المدرسة أبويا كان رافض، وعاوزنى أشتغل معاه فى جمع القمامة زى ما هو كان بيعمل مع جدى، وحاول كثيرا مع والدتى لمنعى من الذهاب للمدرسة، ولكنها صممت على تعليمى وصنعت لى مريلة وشنطة قماش تيل نادية، وكانت تقول لوالدى بكرة تشوف عزت هايبقى إيه».
ويقول عزت: «كنت أستيقظ فجرا لمساعدة والدى، كنت أحمل شوالا لجمع القمامة والزجاج والبلاستيك، ثم أذهب بعدها للمدرسة وبعد عودتى أواصل العمل مع والدى لإجراء الحسابات اليومية فى دفاتر قمت بإعدادها خصيصا، وبعد مشاهدته لذلك شعر بفائدة التعليم، وأنه مجهود غير مهدر فبدأ بتشجيعى على مواصلة الدراسة».
نهاية العقدة.. وفى المدرسة الابتدائية بحى منشية ناصر لم يشعر الطفل الصغير وقتها عزت نعيم بالفارق الاجتماعى، حيث كانت تضم العديد من أبناء الحى الذى تشترك أسرهم فى نفس المهنة وهى جمع القمامة، ولكن الأمر اختلف بعد الانتقال للمرحلة الإعدادية فى حى العباسية، وهو ما يؤكد عليه بقوله: «كنت بتكسف أقول لزمايلى ومدرسينى إنى من منطقة الزبالين، لأن كل أصحابى وزمايلى من العباسية والوايلى فكنت بكون مكسوف أنى من الزبالين».
ظل ذلك هو الشعور المسيطر على عزت وقتها فترة طويلة والذى تبدل تماما بفضل معلم اللغة العربية إبراهيم تركى بعد طلبه من الطلاب، ومنهم الطفل عزت كتابة أحد موضوعات الإنشاء فكتب الطفل عن معاناة جامعى القمامة الصعوبات التى تواجههم، ومنها المعاملة غير اللائقة التى يقابلونها من بعض الأسر، وهو ما يشرحه بقوله: «فوجئت بإعجاب المعلم الشديد بما قدمته، وكشفت له وقتها أننى من حى الزبالين وتم تكريمى من قبل الفصل».
وتابع: «وما زالت أتذكر صوت تصفيق التلاميذ وإصرار المعلم على تعويد الطلاب تغيير كلمة زبال إلى عامل نظافة».
ويقول عزت: «بعد الانتهاء من الدراسة الثانوية، والحصول على مجموع 80% التحقت بكلية آثار إسلامية، وكنت القبطى الوحيد لعشقى لدراسة الأثار ورغبتى فى العمل مرشد سياحى، وذلك أمر طبيعى نظرا لتعدد المزارات السياحية فى حلا منشية ناصر، سواء القلعة أو المساجد التى تعتبر تحفة فنية ومعمارية، بجانب المزارات القبطية، ولكن بعد افتتاح قسم التجارة الإنجليزى قمت بالتحويل إليه لعشقى للغات، وحصلت على بكالوريس تجارة إنجليزى، ومن خلاله بدأت التعرف على الدكتورة ليلى إسكندر وزيرة البيئة السابقة، وكان ذلك نقطة التحول فى حياة عزت وبداية عمله مشاريع تنموية داخل العزبة من خلال عمله مع وزيرة البيئة آنذاك كمتطوع بسبب معرفته وتمكنه من اللغة الإنجليزية، حيث تم تأسيس: «محو أمية السيدات، ومشروعات السجاد، وجمعية حماية البيئة».
بداية تأسيس روح الشباب.. تعتبر جمعية روح الشباب أحد أشهر المعالم فى حى منشية ناصر التى قدمت العديد من الإسهامات التنموية والثقافية داخل العزبة التى يقطنها جامعو القمامة التى ارتبط اسم عزت نعيم باعتباره أحد مؤسسيها وهو ما يشرحه بقوله:»فى عام 2004 التحقت بالعمل بوكالة المساعدة الألمانية التى دشنت العديد من المشروعات التنموية داخل حى منشية ناصر، ومنها جمعية روح الشباب إحدى العلامات الرئيسية داخل حى منشية ناصر عامة وحى الزبالين خاصة، حيث قدمت العديد من المشاريع التنموية والثقافية».
الأنشطة السابقة والعمل والتعاون مع العديد من المنظمات والجهات الدولية كانت سببا فى حصوله على جائزة معهد سينرجوس المقدمة للمبعدين الذين استطاعوا تطوير وإحداث نقلة حضارية وبيئية لمجتمعاتهم وهو ما يشرحه بقوله: «تم الإعلان عن مسابقة عالمية ينظمها معهد سينيرجوس فى أمريكا لتكريم المبدعين الذين أحدثوا نقلة حضارية داخل مجتمعهم البيئى، وتقدمت وفزت بها عام 2009، وتم تكريمى وتسليم الجائزة من كوفى عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة، ثم توالت مشاركتى وتقديم محاضرات فى العديد من الدول، فى فصل كيفية الاستفادة من القمامة على المستوى البيئى والآقتصادى».
يرجع نشأة حى الزرايب إلى هجرة العديد من أهالى قنا وسوهاج خلال فترة الحرب العالمية الثانية التى تسببت فى نزوح أهل القرى والصعيد إلى القاهرة، بحثًا عن فرص جديدة واستقروا فى بداية الأمر فى حى الجمالية وبدأوا بالعمل فى جمع القمامة وتدويرها ثم تم الانتقال إلى المقطم، وسميت المنشأة الجديدة باسم منشأة ناصر تكريما للرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذى سمح للسكان بالإقامة على هذه الأرض، وفى عام 1984 تم إنشاء جمعية «الزبالين» على يد المطران صموئيل. وذلك بحسب ما يرويه رزق يوسف حنا أو كما يطلق عليه أهالى العزبة «المستر»، وذلك بسبب جمعه شهادتى الآداب شعبة لغة الإنجليزية وليسانس الحقوق وعمله كمدرس لغة إنجليزية فى احد مدارس الحى.
على كرسى خشبى داخل مصنعه لتدوير القمامة يمثل ثمرة جهده سنوات عديدة فى جمع القمامة بدأت خلال دراسته فى المرحلة الابتدائية وحتى الانتهاء من المرحلة الجامعية.
وقال رزق يوسف: «بعد الارتحال من إحدى محافظات مع أسرتى بعمر الخمس سنوات بدأت العمل مع جدى كجامع للقمامة فى حى العباسية وهى المهنة التى تنتقل من الأصل للفروع ويتوارثونها، ولكن أبى أراد كسر تلك القاعدة، وأصر على تعليمى كما قال «يابنى أنا هاعملك علشان تبقى حاجة تانية وما يبقاش كلنا زبالين».
خلال دراسته فى المدرسة لم ينقطع رزق يوسف الطفل وقتها عن مساعدة أبيه وجده فى جمع القمامة، ولكنه فى المرحلة الجامعية بدأ التفكير فى إدخال نوع من التطوير يرتكن عليه كعمل رئيسى بعد الانتهاء من دراسته الجامعيه بسبب عشقه للعمل الحر».
وهو ما يوضحه بقوله: «حاولت التوفيق منذ صغرى بين الدراسة والعمل، ولكن مع الوصول المرحلة الجامعية فكرت فى إدخال نوع من التطوير وهو جمع العبوات الفارغة للمياه المعدنية، وعن طريق الصدفة اكتشفت أن هناك أفرادا مخصصة لجمع المواد البلاستيكة لصالح أحد المصدرين الذى يقوم بشحنها للصين لإعادة تدويرها، وهو ما بدأت فى تنفيذه بعد التخرج من الجامعة».
وتابع: «بعد التخرج من الجامعة والحصول على ليسانس الآداب فرع اللغة الإنجليزية، عملت فترة كمدرس للغة الإنجليزية فى إحدى مدارس الحى، لذلك يعرفنى الأهالى بلقب مستر، وهو استمر معى حتى بعد ترك التدريس، وإن كان واصلت الدراسة والحصول على ليسانس الحقوق ثم التفرغ بشكل كامل لمشروعى الخاص، وهو العمل فترة لصالح ذلك المصدر فى جمع المواد البلاستيكية بدأت فى تنفيذ مشروع التدوير وبدأت بآلة وحيدة ثم بدأ التوسع بإنشاء مصنع متكامل لإعادة التدوير».
وعلى الرغم من النجاحات التى حققها رزق يوسف فى حياته الدراسة والعلمية، ولكنه لا يخفى معاناته فى السابق من النظرة المجتمعية المتدنية لمهنة جامع القمامة التى بدأت تختلف فى الوقت السابق وتتحسن تدريجيا بعد الاستيعاب الكامل وللدور الهام الذى يؤديه جامع القمامة، وهو ما يؤكد بقوله: «إحنا تعبنا سنين طويلة جدا لحد ما الناس فهمت طبيعة شغلنا، أحيانا كنت نتفاجئ بزميل لنا فى المدرسة أو الجامعة خلال الصعود لجمع القمامة من أحد المنازل خارج الحى، البعض مننا كان بيتحمل المنظر ده والبعض الآخر لا».
مجتمع مغلق.. وتابع: «لكن إحنا فى الآخر كنا بنكمل شغلنا وحياتنا وما عندناش استعداد نتراجع عشان نظرة الآخرين، وإن كان لا بد من إدخال مفاهيم جديدة للمجتمع والتوعية المستمرة بدور جامع القمامة، فبرغم خروج أجيال جديدة من حاملى الشهادات العليا، ومنهم كليات قمه فيوجد أطباء ومهندسين وصيادلة ومحامون، ولكننا نعيش كمجتمع مغلق فعلاقات النسب تتم داخل الحى لأننا لا نضمن رد فعل الآخرين فى حال العلم بأن المتقدم للزواج من جامعى القمامة، لذلك تجد أغلب البطاقات الشخصية مدون بها نجار، عامل، أو بلا عمل تفاديا لذكر جامع قمامة حتى لا يتعرض لمعاملة غير لائقة».
فى مدخل العزبة تقع أحد وأهم الصيدليات بسبب أنها أول صيدلية يفتتحها أحد أبناء الحى الذين ساهموا فى تغيير النظرة التقليدية للمنطقة خلال السنوات السابقة بسبب تفوقه الدراسى والتحاقه بإحدى كليات القمة وهى الصيدلة.
أمين صادق صيدلى أو «ابننا الدكتور» كما يطلق عليه أهل الحى كنوع من الاعتزاز به خلف الكونتر الخشبى داخل صيدلته بدأ حديثه بقوله: «على الرغم أن الوضع حاليا لم يعد منذ عدة سنوات، حيث بدأت أغلب الأسر حاليا فى إرسال أبنائها للمدراس، وهناك العديد من النماذج التى حصلت على الشهادات العليا، فهناك المحامون، والمعلمين، والأطباء، والمهندسون ولكن للأسف يجمعنا مصطلح «عزبة الزبالين» التى تسبب ألما نفسيا شديدا للأهالى، وكانت سببا فى حرمانهم من بعض الوظائف الهامة».
يسترجع صادق بدايته ويقول: «نشأت فى عزبة الزبالين كما تطلقون عليه منذ أكثر من 30 عاما، ولم أشعر أبدا بأى اختلاف بينى وبين أهالى الحى.
ولم يفرق معى أن يعرف زملائى أن أهلى يعملون فى جمع القمامة أم لا، ولكن هناك العديد من أبناء المنطقة شعروا بذلك، خاصة من لهم أصدقاء يعيشون خارج منطقتنا، فيتعاملون معهم بطريقة دونية لمجرد أن آباءهم وأجدادهم يعملون فى جمع القمامة».
وأضاف: «والدى يعمل فى إعادة تدوير البلاستيك، وكنت أقوم بمساعداته فى أيام الإجازات، لأنه كان حريصا على تعليمى، ومنذ الصغر كنت أحلم بالالتحاق بكلية الصيدلة وفتح صيدلية داخل منطقتى، وتحققت أمنيتى بمساعدة والدى.
وأكمل حديثه: «لست الوحيد فى منطقة دير سمعان الذى حقق ذاته وطور من نفسه؛ فلدينا أطباء بشريون، وأسنان، ومهندسون، ومحامون، ومدرسون، وكثير منا حاصل على درجات علمية مختلفة، كما يوجد بيننا من أكمل مهنة أبيه فى جمع القمامة وتدويرها، وهذا لا يعيبهم فى شىء». وأردف أمين صادق قائلًا: «حققنا مشروعات كثيرة وفتحنا جمعيات أهلية لمساعدة أهلينا البسطاء فى جميع نواحى الحياة، سواء التعليمية والثقافية والنشاط الاجتماعى، مثل جمعية «روح الشباب وشمس الأصدقاء وحماية البيئة من التلوث»، ولكن هناك بعض القصور داخل المنطقة ونحتاج مساعدات من المسؤولين كافتتاح مدارس ثانوى بنات وأولاد ونادى اجتماعى، بالإضافة إلى نقطة إطفاء ومستشفى وأهم من هذا وذاك المنطقة تفتقر إلى المواصلات، فلا يوجد مواصلات خاصة بمنظقة دير سمعان على الإطلاق».
وفى نهاية حديثه كانت للدكتور أمين صادق أمنية واحدة هى تغير الصورة الذهنية لدى الآخرين عن منطقة الدير سمعان فقال: «كلمة زبال دى غلط المفروض ماتقلش علينا زبالين، لإن مش إحنا إللى بنعمل الزبالة أنتم إللى بتعملوها، وإحنا إللى بنضفها، إحنا اسمنا منظفين ياريت الناس تعرف كدة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة