لم تترك جماعات الشر ومنابر الضلال أى حادث أليم إلا وتخرج أبواقها المأجورة لاستغلال هذه الوقائع لصالح أهدافها المسمومة والمغرضة، فها هى تستغل حادث طالب كلية الهندسة ، لترويج إحصائيات مغلوطة تغفل الكثير من الحقائق، بل تطرق تلك الأبواق الإرهابية، إلى العديد من الاحصائيات الكاذبة فى محاولة منهم لبث الرعب واليأس فى المجتمع المصرى، متجاهلين إحصائيات منظمة الصحة العالمية، وإحصائية منظمة التعداد السكانى الدولية للعام الحالى 2019، والتى أكدت أن نسبة الانتحار فى مصر هى الـ 150 من 183 دولة، وليس كما يدعون هؤلاء الخونة العملاء.
وبعيدا عن أهداف تلك الجماعات المضللة.. فإن هناك البعض لا يعرف قيمة الحياة، ولا يدرك نعمة الوجود أحياء بين الناس بسبب الأحزان التي يوجهونها والضيقات التى تؤثر فيهم، رغم أن الإنسان قادر على أن يرسم سعادته بنفسه، فالدموع تجف بعد أن تزيل الألم الدفين لتفسح الطريق للابتسامات، والأحزان الحالية تزول لتكون بوابة لأفراح فى المستقبل، وأوقات الضعف ترحل عندما تجبر الإنسان على إعادة بناء نفسه ليقوى من جديد.
وفى الواقع.. أننا لا نتذوق حلاوة الحياة إلا عندما نذوق مرارتها أولا، لذلك وُجد الحزن لنعرف لذة الفرح، ووُجد الشر لنعرف قيمة الخير، ووُجد الظُلم لنحارب من أجل العدل، ووُجدت الحروب لنناضل من أجل السلام، وفى الوقت نفسه نسى البعض أن الله سبحانه وتعالى هو من يهب الحياة للإنسان، وهو بيده أن يبقى الإنسان متمتعًا بها، أم لا ، فهى بدأت بقرار إلهى، وتستمر كذلك بقرار إلهى، وبالتالى لا يجوز البتة فى كافة الأديان السماوية أن يزهق الإنسان روحه بأى سبب أو دافع.
ولهذا.. فإن وجهة نظر الإسلام الصحيح والمعتدل، أن ليس للإنسان حق التصرف فى حياته أو إنهائها بإرادته متى شاء؛ لأنه لا يملك الحياة أساسا حتى يملك الموت، وعليه فإن الانتحار فعل محرم، وكبيرة من الكبائر؛ لقوله تعالى (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلَّا بالحق) وقوله أيضا: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً، وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرا).
وبعد تزايد انتشار الأفكار الشاذة والضالة والتى أصبح التقاطها والحصول عليها عبر مواقع التواصل الاجتماعى أمرا بسيطا وسهلا وهم لا يدرون مدى حقيقتها أو صحته، أصبح تجديد الخطاب الدينى والإعلامى أمر ضروري وحتمى وإلا سيؤدي ذلك إلى زيادة معدلات تلك الظاهرة القميئة، وخاصة أن كثيرا من هذا الجيل لا يفرق بين التديّن الذى يعتمد على عبادة الله، والفتوى فى شىء يحتاج إلى علم وتخصص.
وفى كل الأحوال.. فلا شك أن قتل النفس ظاهرة اجتماعية سلبية، ومرض خطير لابد من السيطرة عليه، وأن أول وسائل التصدى له، هو الاعتراف بوجوده، والعمل على تشخصيه، وذلك لا يتأتى إلى من خلال فهم صحيح للدين الذى يدعو إلى تحمّل الآلام والمصاعب، وأن الإنسان لا يموت إلا بإرادة الله، كما قال المولى عز وجل "نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ" وأن يكون هناك استسلاما طيّعا الذى يجعل الإنسان يصبر على كل ما أصابه، ولذا فإن الانتحار يعتبر عصيانا بالواجب الأساسى للإنسان في الحياة وإخلال بسنة الكون التى ارتضاها الله من فوق سبع سموات.