عندما تتحرك مصر نحو أفريقيا وتعيد بناء العلاقات مع محيطها الأفريقى، فإنها تفعل ذلك من منطلقات متعددة، مع الأخذ فى الاعتبار أن واقع الحال تغير اليوم عما كان خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، فقد كانت أغلب دول أفريقيا تسعى للاستقلال عن المستعمر الأوروبى، وتبدأ تنمية مستقلة تتيح عدالة التوزيع لعوائد التنمية. وبالرغم من مرور عقود على استقلال أغلب الدول الأفريقية فقد ظلت تعيش تحت إرث استعمارى بشكل أو آخر، فقد واجهت صراعات عرقية وطائفية عطلت من مسارات التطور، وفى نفس الوقت لم تصل إلى صيغ للحكم الديمقراطى يمكنها استيعاب التعدد العرقى والقبلى.
ومع الوقت وبكثير من التجارب والدم انتبهت أغلب الدول الأفريقية إلى أهمية التعايش المشترك والنظر للمستقبل، لكن هذا جاء مع استمرار افتقاد خطط متصاعدة للتنمية الدائمة، وهنا فإن الواقع اليوم يختلف عما كان قبل خمسة عقود، حيث اختلفت أشكال وأولويات المصالح والتوازنات فى العالم، وبقيت بعض الدول الأفريقية ضحية لتدخلات من الدول الكبرى أو لمصالح لصوص الذهب والماس وتجار السلاح، لدرجة أن جماعات فى الصومال مثلا تمتلك أسلحة فى مناطق لا تجد طعاما، وتستقطب شبابا وتحرق أجيالا.
ومن هنا تظهر صعوبة العمل الجماعى الأفريقى الذى يواجه تحديات مزدوجة، تقوم على بناء خطوط تنمية واضحة، وفى نفس الوقت إعادة الاستقرار، بما يضمن نجاح التنمية، وهو تحد تعرفه الدول الأفريقية الأعضاء فى الاتحاد الأفريقى، وتسعى لاجتيازه، وفيما يتعلق بمصر التى تتسلم اليوم رئاسة الاتحاد الأفريقى، فإن عليها استمرار الجهود لمواجهة المعضلات الكبرى فى القارة الأكثر ثراءً بالموارد والأقل حظا فى نتاج هذه الموارد.
أفريقيا أصبحت محط أنظار للكثير من المصالح، وتقوم معادلة التنمية العادلة على أن تضخ الشركات والدول استثمارات لإحياء الاقتصادات فى أفريقيا، وفى نفس الوقت تعود هذه الاستثمارات بعوائد وفرص عمل فى الدول التى تقوم فيها الاستثمارات، وهى معادلة صعبة وتستلزم بناء قواعد معلومات واضحة عن إمكانات كل دولة، وفرص التعاون والتكامل بالشكل الذى يمكن القارة من تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتى.
والعصر الحالى له معطيات اقتصادية مختلفة عن الماضى، حيث تشكل التكنولوجيا والمعلومات أحد أهم مفردات العصر، وتحتاج أفريقيا إلى بناء قواعد صناعية تمكنها من تحقيق قيمة مضافة للمواد الخام التى تذهب بأسعار رخيصة لا يمكن أن تمثل عائدا عادلا يساهم فى تطوير التنمية فى هذه الدول.
القيمة المضافة هى أصل الاقتصاد، وبعض المواد الخام وحدها ربما لا تمثل قيمة اقتصادية كبيرة، والاستثمار هو أفكار تصنع قيما مضافة، وأكثر الأنشطة التى تصنع الثروة اليوم هى مجالات لا تتعلق بالصناعة أو التجارة، لكنها تتعلق بتطبيقات أو أفكار تصنع القيمة لأى سلعة، ومن هنا ونحن نتكلم عن أفريقيا والتفاصيل المهمة الخاصة بالتكامل والتعاون يفترض أن تقوم على واقع، يضع قواعد معلومات وإمكانات التسويق والتجارة البينية، وهى أفكار مرفوعة من عقود لكنها لم تجد طريقها للتنفيذ.
وبالتالى فإن الاتحاد الأفريقى يفترض أن يتحرك نحو بناء قواعد معلومات واضحة للفرص والإمكانات والاحتياجات التى تمثل قاعدة لأى تعاون أو تكامل بين دول القارة، وبالشكل الذى يمثل عائدات عادلة للشعوب الأفريقية، وهو ما أشارت إليه مصر والرئيس عبدالفتاح السيسى مرات متعددة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة