ظلت هناك توقعات مختلفة بأن الشكل التقليدى للسياسة، والأحزاب القديمة تواجه تحولات، وتفقد تأثيرها لتصلح تيارات بلا أيديولوجيات واضحة، وربما بخبرات تختلف عما ساد لفترة، وبعد أن كانت التيارات الليبرالية والمحافظة التقليدية فى أوروبا تتحدث عن «نهاية الأيديولوجيا» قاصدين الاشتراكية، لكن هذه التيارات نفسها تفقد أرضيتها لصالح الزحف الكبير لتيارات تحمل أفكارا مختلفة، وبعضها عنيف ولا يخلو من نزعات قومية ورفض للأجانب.
وعليه وفى الوقت الذى تواجه فيه بريطانيا أزمة الخروج من الاتحاد الأوروبى بريكست فى 29 مارس المقبل، أعلن حزب «بريكست» عن نفسه ليكون أحدث الأحزاب وأيضا الذى يحمل رمزية الخروج من الاتحاد الأوروبى، فقد تم الإعلان عن ولادة حزب «بريكست» برئاسة النائب نايجل فاراج، أحد أكثر المتحمسين والداعمين لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى، وقال فاراج فى مقابلة مع صحيفة «تلجراف»: «إن الحزب تأسس بكامل دعمى مع نية المشاركة بالانتخابات الأوروبية فى 23 من مايو، حال لم يتم تطبيق بريكست، ويمثل هذا الحزب أحد علامات التحول السياسى فى أوروبا».
وفى الوقت الذى تخوض فيه رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماى أكبر معارك البريكست بعد رفض خطتها للخروج، التى عقدتها مع الاتحاد الأوروبى، فإن فرنسا لاتزال تواجه هى الأخرى أزمة السترات الصفراء، التى بدأت كرد فعل على رفع أسعار الوقود، وتحولت إلى تعبير أوسع عن الغضب لارتفاع تكاليف المعيشة على أبناء الطبقة المتوسطة، حيث يرى مواطنو فرنسا ومعهم مواطنون من الدول الأوروبية الغربية أنهم يدفعون ثمن توسيع الاتحاد الأوروبى والسماح بانضمام دول شرق أوروبا، التى ينافسهم مواطنوها فى الوظائف والفرص.
وبالتالى، فإن المظاهرات التى تتهم النظام بالانحياز للأغنياء والشركات الكبرى على حساب الطبقة الوسطى، وهم ليسوا بعيدين عن اليمين الصاعد فى أوروبا الذى يعادى اللاجئين والأجانب، وقد ظهر هذا فى مظاهرت السترات الصفراء، بل إن الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه فاز فى الانتخابات الفرنسية بسبب الخوف من اليمين.
ففى إبريل 2017 كانت الجولة الأخيرة للانتخابات الرئاسية بين مارى لوبان ممثلة اليمين المتطرف، وإيمانويل ماكرون الذى وصل إلى جولة الحسم ووجدت النخبة السياسية التقليدية نفسها تقف خلفه، فى مواجهة لوبان، بالرغم من أن اليمين واليسار بتنوعاته والنخب السياسية التقليدية لم تكن ترى فى ماكرون سياسيا يصلح لإدارة البلاد.
ماكرون الذى اعتبره السياسيون بلا خبرة لا ينتمى لأى من المعسكرات التقليدية، كان عضوا فى الحزب الاشتراكى تركه ليؤسس حزب إلى الأمام وهو حزب خارج أطر الأحزاب اليمينية واليسارية التقليدية، وكشف صعود ماكرون ومارى لوبان عن حجم التغيرات فى تركيبة الانتخابات واتجاهات التصويت، وهى حالة لا تقتصر فقط على فرنسا، لكنها تمتد إلى أوروبا ضمن موجات من التحول تمثل تفاعلات لعقود ماضية.
وفى ألمانيا أعلنت آنجيلا ميركل بعد أقل من عام فوزها بالولاية الرابعة للمستشارية الألمانية، عن نيتها فى عدم الترشح فى انتخابات 2021، والتخلى عن رئاسة الحزب المسيحى، وقد شهدت الانتخابات الأخيرة فى ألمانيا، أقوى صعود لليمين الشعبوى، حيث حقق الحزبان المحافظان الحاكمان الاتحاد المسيحى الديمقراطى، والاتحاد المسيحى الاجتماعى %33، بينما حصل حزب البديل لألمانيا اليمينى القومى المتشدد على %13، وجاء فى المركز الثالث بعد الحزب الاشتراكى الديمقراطى ويشجع حزب البديل انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى ويعادى اللاجئين والأجانب عمومًا.
كل هذه المعطيات تشير إلى تغيرات فى الشكل والمضمون للسياسات الأوروبية تتفاعل وتنتج أشكالا مختلفة، ظلت مجرد توقعات وأفكار.