أصبح واضحا وملموسا كيف تتوجه الدولة لدعم ملف الرعاية الصحية بكثافة ومن خلال مجموعة مسارات متوازية، حتى يمكن رفع المعدلات الصحية ومواجهة الأمراض السارية والمزمنة وإجراء المسوح الدقيقة التى تكشف مستويات الصحة العامة لعموم المصريين، على اعتبار أن رفع معدلات الصحة العامة ومواجهة مختلف الأمراض إحدى ركائز عملية النهوض والتنمية الشاملة.
على مسار أول، تشهد المستشفيات العامة فى القاهرة والمحافظات عمليات إعادة الهيكلة ورفع الكفاءة، مع وضع خطط لتطوير قطاع المستشفيات الجامعية بإشراف وزارة التعليم العالى، وعلى مسار مواز، يسير العمل بسرعة كبيرة لإنهاء قوائم انتظار مرضى الجراحات العاجلة والحرجة مع توجيه رئاسى باستمرار البرنامج المضغوط لإنهاء هذه القوائم لمدة ثلاث سنوات مقبلة لمنع تراكم أو ظهور قوائم انتظار للجراحات العاجلة مجددا.
وعلى مسار ثالث، يجرى العد التنازلى لإطلاق برنامج التأمين الصحى الشامل هذا العام، والمنتظر أن يحدث طفرة شاملة فى مستوى تقديم الخدمة الصحية للمواطنين وتوحيد المنظومة الصحية وإنهاء معاناة المواطنين محدودى الدخل بين التشخيص والعلاج وتلقى الخدمة الصحية، بما يتضمنه من أسس حاكمة فى مقدمتها أنه نظام إلزامى ينطبق على جميع المصريين، كما أنه نظام تكافلى يغطى جميع أفراد المجتمع الأغنياء والفقراء والأصحاء والمرضى على السواء، مع الفصل بين الخدمة المقدمة والتمويل أو التكلفة، على أن تتحمل الدولة تكلفة الخدمة الصحية لغير القادرين.
وفى الوقت نفسه، يجرى تنظيم الحملات القومية المجانية التى تهدف إلى الكشف عن مجموعات محددة من الأمراض وتقديم العلاج أو التدخل الجراحى مجانا، ورأينا كيف استطاعت حملة «100 مليون صحة» تقديم خدمة الكشف والعلاج لأمراض فيروس سى والسكر والضغط لعشرات الملايين من المصريين مجانا ولأول مرة، فى الوقت الذى يتكلف الكشف وحده عن أحد هذه الأمراض مئات الجنيهات فى العيادات الخاصة ناهيك عن العلاج والمتابعة، واستطاعت القوافل التى انطلقت فى المدارس والجامعات والأندية الرياضية والمصالح الحكومية والبنوك وفى مراكز الشباب وحتى الميادين، اجتذاب عشرات الملايين من المواطنين وحثهم على إجراء الكشف الطبى وتلقى العلاج، الأمر الذى أشعر المواطنين باهتمام الدولة بملف الرعاية الصحية وأدى إلى تفاعل كبير منهم فى هذا الخصوص.
وفى هذا الإطار تأتى المبادرة الرئاسية الجديدة «نور حياة»، والتى تستهدف الكشف المبكر عن مسببات ضعف وفقدان الإبصار بين تلاميذ المرحلة الابتدائية وكبار السن، حيث تستهدف إجراء الكشف الطبى لنحو 5 ملايين تلميذ بالمرحلة الابتدائية وعلاج الحالات المكتشفة مجانا، كما تستهدف مواجهة أمراض العيون لكبار السن وغير القادرين فى المحافظات وتقديم العلاج إليهم، سواء كان يشمل عمليات جراجية أو عمل نظارات طبية أو متابعة لأمراض أخرى مرتبطة بالإبصار.
المبادرة الرئاسية الجديدة «نور حياة» والتى يشرف على تنفيذها صندوق تحيا مصر، تقدم فضلا عن الخدمة الضرورية، مسحا شاملا لقطاعات محددة من المصريين لا تتوافر بيانات دقيقة بخصوصهم، كما تسعى لرفع الوعى الصحى لدى مختلف قطاعات المواطنين وحثهم على إجراء الكشوف الدورية لبيان مستويات صحتهم العامة والتعامل مبكرا مع الأمراض المكتشفة، وهو وعى لابد أن نعترف أنه متراجع فى مصر لعدة عوامل منها غياب التأمين الصحى الشامل وغياب الثقافة الصحية الضرورية، فالمواطنون لا يخضعون للعلاج إلا إذا مرضوا ولا يعرفون أنهم مرضى إلا بالصدفة عندما تظهر عليهم أعراض المرض.
المبادرات الرئاسية الصحية، من قبيل «100 مليون صحة» و«نور حياة»، هى بمثابة إسعافات أولية عاجلة للمجتمع المصرى، إلى أن يتم البدء بتطبيق برنامج التأمين الصحى الشامل هذا العام، والذى يجب أن يترافق مع حملات توعية صحية شاملة بهدف تغيير العادات الصحية التى تؤدى بنا إلى الإهمال، وتجعل من المتابعة الصحية الدورية جزءا من الثقافة العامة، حتى لو كنا نتمتع بأتم الصحة والعافية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة