هدد محمد على باشا كيان الدولة العثمانية بعد انتصارات ابنه إبراهيم باشا على الأتراك، فاجتمعت الدول الكبرى «روسيا والنمسا وبروسيا وإنجلترا» على ضرورة «سجن مصر فى حدود ضيقة من الاستقلال الداخلى والخارجى»، وفقا لقول «جيلبرت سينويه» فى كتابه «الفرعون الأخير - محمد على «ترجمة : عبد السلام المودنى».
كان «الطوق» عبارة عن فرمانين اتفقت عليهما هذه الدول، ووجههما السطان العثمانى «عبد المجيد» إلى محمد على، وحسب «إلياس الأيوبى» فى مجلده الأول «تاريخ مصر فى عهد الخديو إسماعيل باشا»: «كان الفرمانان بمثابة قاعدة بنى عليها كيان مصر السياسى والإدارى معا.. الفرمان الأول هو، إلغاء السلطان الأمر الذى كان قد خلع بموجبه محمد على من كرسى ولاية مصر، لاعتبار إياه عاصيا ومتمردا، وأعاد إليه مبينا فى خريطة أرسلها إليه فى الوقت نفسه حدود تلك الولاية».
أما الفرمان الثانى فكان منح محمد على حق توريث أعقابه للحكم طبقا لشروط حددتها تلك الدول وهى وفقا للأيوبى:» 1- أن يختار السلطان العثمانى من أولاد محمد على أو أولاد أولادهم الذكور من يشاء ليخلف على السدة المصرية الوالى المتوفى، فإذا لم يوجد بين الأولاد والحفدة خلف ذكر، فيختار الباب العالى من يشاء للولاية بدون أن يكون لأولاد الإناث حق فيها، إلا إذا شاء السلطان اختيار أحدهم، على أن لا يتبع حق التوريث الاختيار.. ثانيا– أن يكون الوالى المختار من بين أولاد محمد على أو أولاد أولاده ملزما بالذهاب إلى الأستانة، والمثول بين يدى السلطان، ليقلد زمام ولايته تقليدا شخصيا رسميا.. ثالثا: أن يشبه ولاة مصر، بالرغم من حق الوراثة الممنوح له بباقى وزراء الدولة فى المنصب والتقدم على الأنداد فى الرسميات، والتصدر على قاعدة الأقدمية، وأن يوصفوا وينعتوا فى المكاتبات والمخاطبات الرسمية بما يوصف وينعت به أولئك الوزراء.. رابعا: أن يكون مفعول جميع المعاهدات المبرمة بين السلطنة العثمانية والدول، ومنطوق كل خط شريف، وخط همايونى يصدر من السلطان للتقنيين والتشريع، ساريا فى الولاية المصرية ومنفذا فيها تنفيذه فى عموم أنحاء الممالك الشاهانية».
ونص البند الخامس: أن تكون جباية الضرائب والأموال والرسوم الجمركية وغيرها برمتها وعلى أنواعها باسم سلطان تركيا.. سادسا: أن يرسل ربع الإيرادات المصرية كلها إلى خزينة الباب العالى سنويا على سبيل الجزية، وتصرف الثلاث أرباع الباقية فى شؤون الإدارة الداخلية، وفيما تستلزمه احتياجات بيت الوالى، وأن تكون طريقة توريد الجزية التى سيتفق عليها معتمدة لمدة خمس سنوات، ثم تكيف وتعدل طبقا للظروف ومقتضيات الأيام، وأن يكون الوالى ملزما بتعريف الباب العالى بمقدار إيرادات القطر بالضبط وبيانها له بيانا وافيا اجتنابا للتلاعب فى مقدار الجزية.. سابعا: أن تكون السكة باسم السلطان العثمانى، وأن لا تختلف فى شىء أساسى عن مثيلتها المضروبة فى الأستانة العلية».
ونص البند الثامن على: أن لا يزيد عدد الجيش المصرى فى أيام السلم على 18 ألف جندى، وأما فى زمن الحرب فللباب العالى أن يبلغه ما يرتأى، وأن يكون تكوينه ونظامه مطابقين لتكوين الجيش العثمانى ونظامه، فتجعل مدة الخدمة العسكرية خمس سنوات، ويؤخذ من مقترعى السنتين الباقيتين عشرون ألفا، يقيم ثمانية عشر ألفا منهم بالقطر المصرى، ويرسل الألفان الباقيان إلى الأستانة، ثم يسرح خمس العدد كل سنة، ويقترع بدله أربعة آلاف جندى جديدون، يبقى منهم 3600 فى القطر، ويرسل أربعمائة إلى الأستانة.. تاسعا: أن يكون شكل ملابس الجنود المصرية برية كانت أم بحرية، وشكل راياتها ونياشينها، لا تمييز بين الجنديين إلا فيما يختص بنوع الأقمشة، فإنه يصرح للحكومة المصرية بأن تختار منها ما يلائم طقس البلاد ومناخها. عاشرا: أن لا تبنى مصر سفنا حربية مطلقا إلا بتصريح من الباب العالى، يعطى لها كتابة.. الحادى عشر: أن يقتصر حق الوالى فى تعيين ضباط البريين والبحريين، وترقيتهم على الدرجات الصغرى لغاية درجة «الصاغ قول»، فإذا أراد رفع درجة ضابط إلى درجة أعلى من هذه فعليه أن يخابر الباب العالى، ويستصدر الترقية منه مباشرة».
اختتم الفرمان بنوده بالقول: «إن أى إخلال بأحد هذه الشروط يؤدى إلى إلغاء حق انتقال الولاية بالإرث فورا».. يؤكد إلياس الأيوبى: «بالفرمان الثانى، قلد السلطان العثمانى، محمد على الولاية على بلاد النوبة ودارفور وكردفان وسنار، ولكن بدون وجه حق فى توريثهما لأعقابه».. يذكر «سينويه» أن محمد على أظهر غضبه من بنود الفرمان الثانى، ولزم ذلك أربعة شهور لتذليل العقبات وحدث تعديل فى بعض النقاط وهى: «يمنح التوريث بحسب قانون الأكبر سنا، بمعنى أن العرش يعود إلى الذكر الأكبر سنا من أسرة محمد على.. إعطاء محمد على الحق فى تعيين ضباط الجيش حتى رتبة عقيد حصرا.. تحدد الضريبة وعوض حساباتها بنسبة عائدات مصر، بمبلغ نهائى وهو أربعون مليون قرش».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة