لماذا تحول المصريون من العمل إلى هوس التنقيب عن الآثار؟! أعداد كبيرة تكرس حياتها للبحث عن الكنوز لتحقيق الثراء السريع والعيش على طريقة المليونيرات بدون تعب أو جهد، بدون شغلة ولا مشغلة!، وإذا كنا قد استطعنا السيطرة على وباء فيروس سى وتحجيم المرض بصورة كبيرة بالعلاجات الجديدة وتوفير الرعاية الصحية، فإننا لا نعرف حتى الآن كيف نواجه الوباء الجديد، وباء التنقيب عن الآثار الذى يجتاح البلاد من السلوم وحتى شلاتين ويواصل الانتشار بصورة كارثية لدرجة أنك لو بحثت فى القرى والنجوع والكفور والعزب من أقصى مصر إلى أدناها لن تجد عائلة تخلو من المرض، لابد أن يكون أحد أفرادها مهووسًا بتلك الجريمة لتحقيق حلم الثراء، ومن ثم يجر وراءه أطرافا أخرى من عائلته.
عشرات الآلاف من المنازل تصدعت فى مناطق متفرقة بسبب هوس التنقيب عن الآثار، بيوت انهارت على سكانها بسبب هذا الأمر والمئات يقتلون تحت العقارات المتهدمة وهم يبحثون عن الكنز المفقود، وآخر حلقات المهووسين بالآثار، تلك العائلة فى قلب القاهرة، بمنطقة الوايلى التى تفرغت للتنقيب عن الآثار فى الطابق الأرضى من منزلهم حتى سقطت فى قبضة الشرطة، بعد أن عرضت المنزل للتصدع.
ولو بحثنا عن أصل انتشار الوباء، لوجدنا أسبابا متنوعة بدءا من ترويج مشايخ التطرف أن التنقيب عن الآثار والتجارة فيها حلال، وتراجع الحس الوطنى ومنظومة القيم عموما، وشيوع قيم بديلة للعمل والكدح والتعب من أجل حياة كريمة، مثل التفاخر بالمال بصرف النظر عن مصدره والعصبية وإعلان القدرة والقوة، عيلة فلان وجدوا تحت بيوتهم مساخيط وبنوا فى القاهرة 3 أبراج، وأولاد فلان وجدوا مقبرة كاملة وباعوها ليحققوا الثراء لكل أفراد العائلة، وتتواتر الحكايات عن أسرة علان التى كانت تعمل فى كار المعمار وتعيش على الكفاف ثم انتقلت نقلة نوعية إلى مصاف الأثرياء، وهكذا تدور الأساطير لتنشر الحلم الحرام فى نفوس البسطاء الباحثين عن الأوهام حتى لو كانت فى عالم الجريمة.
هذا الوباء المستشرى أفرز طبقة كاملة من السماسرة والكشافين والدجالين لديهم أسلوبهم الإجرامى وخرافاتهم لإظهار الكنوز المخبوءة وهى غالبًا ما ترتبط بالجريمة، فهناك من الدجالين من يطلب ذبح أضحية من الأطفال الصغار، كما أن هناك من يطلب الزئبق الأحمر شراب الجان الذى يدل على الكنوز المخبوءة، ومن أجل استحضار الطفل الضحية تحدث جرائم الخطف وتجارة الأطفال أو استدراج أطفال الشوارع إلى مصير دامٍ، وحتى يحصل المنقبون والمهووسون على الزئبق الأحمر يبيعون الغالى والنفيس للنصابين والسماسرة الذين يدورون فى حلقات الدجالين وفى هذه الدورة تقع جرائم السرقة والنصب والقتل أيضًا.
ما العمل إذن لمواجهة هذا الوباء المستشرى؟ كيف نواجه مسلسل الجرائم المدمرة المرتبطة بالتنقيب عن الآثار؟ لابد من إزالة الأوهام الكارثية التى تسبب فيها مشايخ السوء من الإخوان والسلفيين ممن أفتوا للناس طوال السنوات الماضية بأن التنقيب عن الآثار حلال، وأن من يجد مساخيط تحت بيته من حقه الاتجار فيها، وذلك بالتوعية المكثفة بأهمية الآثار الرمزية وكيف أنها إسهامنا الحضارى والإنسانى، وأنها ملك لجميع المصريين ولا يجب تحويلها إلى سلعة متداولة.
هؤلاء المشايخ الجهلة المغسولة أدمغتهم والتابعون بوعى أو بدون وعى لمخططات خارجية لتدمير البلاد، أعداء للحضارة والإنسانية ويحتقرون أصلًا الآثار ويعتبرونها أصناما وبعضهم شارك فى تحطيمها ببلاد أخرى مثل أفغانستان والعراق ويدعون بجهلهم وغبائهم لتحطيمها عندنا، أو فى أفضل الأحيان الاستفادة منها ببيعها للكفار الذين يحبون أن يتزينوا بها أو يقدسونها، وعلينا أن نواجه أكاذيبهم وغباءهم بما يستحقه من توعية مكثفة وبلغة عصرية.
ومن ناحية ثانية علينا أن نشدد المراقبة والتتبع والعقوبة لعمليات الحفر العشوائية، والبداية بتغليظ عقوبة التنقيب عن الآثار لتعادل تهريب وجلب المخدرات من الخارج، فإذا كان تهريب المخدرات وجلبها يدمر الشباب وعقوبته يمكن أن تصل للإعدام والسجن المؤبد، فلا أقل من الإعدام والسجن المؤبد أيضًا لمن يعمل على تدمير المجتمع بالأوهام ونهب ثرواته الكامنة، كما لا يمكن أن يحفر أحد تحت بيته سرًا دون أن يشعر به جيرانه، ومن هنا ضرورة تكثيف جهود الشرطة فى التحرى عن عمليات الحفر بدون ترخيص وضبط أصحابها للتحقق من أنهم لا ينقبون عن الآثار، أيضًا سرعة الاستجابة لشكاوى المواطنين المضارين من عمليات الحفر هذه، فكثير من استغاثاتهم وبلاغاتهم لا تؤخذ بالجدية المطلوبة، كما يجب التحقق من التحولات الفجائية لكثير من الأسر التى تنتقل من الدخل المحدود إلى الثراء الفاحش دون وجود سبب واضح أو معلن، مثل سفر الأبناء للعمل فى الخارج أو ميراث معتبر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة