لا يزال التاريخ المصرى، وبعد مرور أكثر من مائة وعشرة أعوام، على اغتيال بطرس غالى باشا، رئيس وزراء مصر فى ذلك الوقت، فى أول جريمة اغتيال سياسية فى مصر الحديثة، مصابا بارتباك لا يحسد عليه فى الحكم على هذه القضية، فالحوادث تثبت أن أفكار بطرس غالى بعيدة عن «الإجماع الشعبى»، خاصة بعد كارثة دنشواى، فقد كان الرجل أحد الجلادين، كما أطلق عليه الشعب المصرى، وقتها، كما أنه أطلق يد الإنجليز فى السودان وكان يعد لمشروع يسمح بمد تحكم الإنجليز فى قناة السويس 40 عاما أخرى، لكن كل ذلك لا يسوغ، فى الوقت نفسه، لأحد أفراد الشعب بأن يرتكب جريمة قتل لأحد الشخصيات العامة، جاعلا من نفسه حاكما ومنفذا لحكمه.
المهم أنه فى 20 فبراير عام 1910 كان الشاب إبراهيم الوردانى، فى الرابعة والعشرين من عمره عندما أطلق النار على بطرس غالى، هذا الشاب كان حديث العودة من أوروبا، حيث درس الصيدلة فى سويسرا التى عاش بها عامين بدءا من سنة 1906م، ثم سافر إلى إنجلترا وقضى بها عاما حصل خلاله على شهادة فى الكيمياء، ثم عاد إلى مصر فى يناير 1909م ليعمل صيدلانيا، وكان عضوا فى الحزب الوطنى، وكان له ارتباط بجمعية مصر الفتاة، وبعد عودته لمصر أسس جمعية سماها «جمعية التضامن الأخوى» التى نص قانونها على أن من ينضم فيها يجب أن يكتب وصيته.
وعندما ألقى القبض على إبراهيم الوردانى قال: إنه قتل بطرس غالى «لأنه خائن للوطن»، وإنه غير نادم على فعلته، واعترف أنه فكر فى قتل بطرس عندما حضر جلسة المجلس العمومى ورأى معاملة بطرس غالى الجافة لأعضاء المجلس، ومشاركته فى محكمة دنشواى.
وجهت للوردانى تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار، وهى جريمة عقوبتها الإعدام، وانشغل الرأى العام المصرى بالحادث انشغالا كبيرا، وقام عبد الخالق باشا ثروت الذى كان يشغل فى ذلك الوقت منصب النائب العام بالتحقيق فى القضية، وقد ذكر فى مرافعته أن الجريمة المنظورة أمام المحكمة هى جريمة سياسية وليست من الجنايات العادية، وأنها «بدعة ابتدعها الوردانى بعد أن كان القطر المصرى طاهرا منها»، ثم طالب بالإعدام للورادنى، وفى يوم 18 مايو 1910م أصدرت محكمة الجنايات حكمها بالإعدام على الوردانى، وفى صباح يوم 28 يونيو 1910م تم تنفيذ حكم الإعدام فى الوردانى.
وقد صدر قرار يُحرم على أى مصرى الاحتفاظ بصورة الوردانى، لكن المصريين الذين لم ينسوا «كارثة دنشواى» خرجوا فى ليلة تنفيذ حكم الإعدام إلى شوارع القاهرة يغنون «قولوا لعين الشمس ما تحماشى.. أحسن غزال البر صابح ماشى».