عندما وطأت عجلات طائرته مطار أسوان عام 1979 كان المرض ينهش جسده النحيل ورغم ذلك كان الشاه محمد رضا بهلوى على دراية بمؤامرة حاكها له الغرب الذى لطالما ساند عرش الطاووس لسنوات، ورغم مرور 40 عاما على الثورة الاسلامية فى إيران إلا أن التاريخ مازال يروى الكثير من أسرارها وتكشف بالوثائق ما رغب النظام الحالى ونخبه أن يخفوه، لكن التاريخ علمنا دوما أن أسراره لا تظل حبيسة الأدراج للأبد ويأتيها نهار لتخرج إلى الكتب، وأحدة من هذه الأسرار القديمة الحديثة، هى الغدر الغربى بالشاه ودعم غريمه آية الله الخمينى للوصول للسطة.
الشاهبانو تفتح خزينة أسرارها مجددا
وفى الذكرى الأربعين لرحيلها عن مملكتها فى طهران، أعادت الشاهبانو فرح ديبا فتح خزينة أسرارها مجددا للإعلام، ورغم تقدم سنها لكنها مازالت تتذكر ذلك اليوم وأيامها الأخيرة فى بلادها، فرح ديبا لم تكن الملكة الجميلة الغارقة فى حياة مترفة فحسب فلم تبتعد يوما عن السياسة وحرصت دوما على أن تقترب من لقاءات الوفود الأجنبية بزوجها، وهو ما جعلها خزينة أسرار عرش الطاووس حتى اليوم، تقول ديبا فى مقابلة مع إذاعة "راديو فردا" الأمريكية الناطقة بالفارسية أن الغرب دعم الخمينى للوصول للسلطة مجددة شكرها للرئيس الراحل محمد أنو السادات وزوجته والحكومة والشعب المصرى اللذان استضافوا الشاه فى محنته.
ليس هذا فحسب بل اتهمه بتأجيج الأوضاع ودعم الاحتجاجات التى نهضت فى مدن مختلفة ضد زوجها فى إيران، وأن الوثائق التى تظهر تتحدث عن الدعم المالى الذى كان يمنح للخمينى والدعم الاعلامى وخدمات البث الإذاعى له، وتابعت: "نعم بالتأكيد الغرب كان متورطا في دعم الخميني، وروت الشاهبانو قصة سفر القيادات العسكرية الأمريكيين إلى إيران، قائلة "أتذكر أنه دائما ما كانوا يخبرون الشاه بمجئ الجنرالات الأمريكيين إلى البلاد، لكن عندما جاء الجنرال هيز (المبعوث العسكرى للرئيس الأمريكى جيمى كارتر) ظل 5 أو 6 أيام فى إيران دون علم الشاه، وقالت أن شخص أخبرها أن السفير الأمريكى سوليفان كلما ذهب إلى مكان يفجر ثورة فيه، كان يتحدث مع المعارضة، ثم وجدنا بعدها هجوم من قبل الصحف الأجنبية والبث التلفزيوني والإذاعى الأجنبى على إيران".
بهلوى وزوجته
وتسائلت: قلت لنفسى بالفعل إذا كانت إيران متضررة من حقوق الإنسان، فكيف كان الغرب كل هذه السنوات صامتا، كانوا سيقولون شيئا لكنهم لم يقولوا كلمة واحدة عن الأشياء التى حدثت في إيران في السنوات الماضية لماذا الآن يتحدثون عن حقوق الإنسان؟وقالت رأيت السيد لورد أوين وزير الخارجية البريطاني حينها في العاصمة لندن، وقال لي لو كنا نعلم أن الملك مريض، لما وافقنا على ما حدث في إيران. حسنا، ماذا تفهم من ذلك.
وحول حقيقة مرضه وعلاجه على يد طبيب فرنسى، أكدت ديبا على أن الأطباء أرتكبوا أخطاء فى علاجه، قائلة "عندما توفى الشاه بكى الدكتور الفرنسى وكان يقول لو كان إنسانا عاديا لكان الآن بين زوجته وأولاده" وأضافت "خطاء، أو تأخر فى العلاج" لكنها قالت "لم يتم علاجه بشكل سليم لأنه كان من الممكن أن يعيش أكثر من ذلك حيث توفى عن عمر يناهز الـ 61 عاما".
الشاهبانو
مذكرات الشاه تكشف إدراكه للتخلى الغرب عنه
دعم الغرب لرحيل الشاه، أكده هو نفسه فى مذكراته، فقد عبر محمد رضا بهلوى عن استياء شديد من مؤتمر عقد فى الفترة من 4 إلى 7 يناير 1979 فى "جوادلوب" لمناقشة الأوضاع فى إيران، شمل 4 دول أوروبية الولايات المتحدة الامريكية بقيادة جيمي كارتر ورئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان والرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديسان والصدر الاعظم الألماني هالموت شميت، وأجمع الزعماء الأوروبيني على عدم رغبتهم فى بقاء رضا بهلوى فى الحكم.. وعندما وصلت الأنباء إلى الشاه تأثر بشدة وكتب فى مذكراته " قبل أسابيع من انعقاد المؤتمر بدأت الضغوط من أجل إخراجى من البلاد، وخلال أسابيع من المفاوضات كان هناك شرط مبدئى لذهابى لقضاء عطلة للخارج وهو تشكيل حكومة ائتلاف... وخلال أسابيع جاءت وفود أجنبية لزيارة إيران وطلب خروجى من البلاد، فى رأى مؤتمر جوادلوب وافقت كلا من فرنسا وألمانيا على اقتراج بريطانيا والولايات المتحدة على إخراجى من البلاد.
مؤتمر جوادلوب 1979
الوثائق تكشف المزيد..أسرار فرقة "إيران 918" للانقلاب على الشاه
وثمة روايات تاريخية ووثائق شهدت على هذا العصر أفرجت عنها وكالة الإستخبارات الأمريكية فى العام 2014، ونشرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC وثائق تاريخية لأول مرة، تكشف عن الفرقة " إيران 918" فى الجيش الملكى الشاهنشاهى، التى كانت على اتصال بشكل سرى بإدارة الرئيس الأمريكى جون كينيدى الرئيس الـ35 للولايات المتحدة والتى تولى المنصب من(1961 حتى اغتياله في 22 نوفمبر 1963)، حينذاك كانت علاقته بالشاه محمد رضا بهلوى باردة ومليئة بالتوتر، وكانت تخشى إدارته أن يدر الشاه بظهره إلى واشنطن ويتجه نحو السوفييت الذين كانوا مصدر تهديدا للمصالح الأمريكية فى العالم.
فى صيف عام 1962، تشير إحدى وثائق الاستخبارات الأمريكية، إلى أن فرقة " إيران 918" كانت على تواصل دائم وعقد لقاءات بواحد من الملحقين العسكريين فى السفارة الأمريكية بطهران، العقيد "كار بوستون"، وكانوا يناقشون التجهيز لإنقلاب عسكرى داخل الجيش ضد الشاه، وبحسب الوثائق قال ممثل عن الفرقة لمسئول السفارة الأمريكية أن مخطط الانقلاب سيتم بالتزامن مع التطورات السياسية فى بلاده، وقال أن عدد أنصار الفرقة 918 بدأ يرتفع فى الداخل والخارج، وفى الوقت نفسه عرض مقربين من كنيدى خطة واضحة لانتقال السلطة فى إيران وعزل الشاه، وانتقال الحكم لمجلس مكون من سياسيين إيرانيين "محل ثقة لدى واشنطن"، لكن خطتهم لم تلقى تأييد وكالة الاستخبارات الأمريكية، وكانت يسيطر الحزب الجمهورى على الإدارة آنذاك، وكانوا لا يرون شخص بديل يمكن الثقة فيه بعد الاطاحة بالشاه، لذا فضلوا مجبرين الابقاء عليه ودعمه.
جون كينيدى وزيارة شاه ايران إلى الولايات المتحدة أبريل 1962
ووفقا لإحدى وثائق الأرشيف الوطني الأمريكى، التى نقلتهاBBC ، أن كنيدى كان ينتوى إحداث انقلاب ضد الشاه فى حال تنفيذ الشاه تهديداته والتوجه إلى السوفييت، وقرر أن يمد يد الصداقة والتفاهم إليه، لكن فى الوقت نفسه يقوم باتصالات بين الزعماء المعتدلين فى الجبهة الوطنية والشخصيات العسكرية محل ثقة المناهضة للشيوعية، وكان يرغب كيندى فى اصلاحات داخل إيران للحيلولة دون قيام انقلاب شيوعى، لكنه هو وإدارته توصلوا إلى الابقاء عليه مع العمل على التحريض ضده. فى تلك الأثناء كانت فرقة "إيران 918" تنتظر الضوء الأخضر الأمريكى للتحرك، لكن بحسب BBC فان ردود أفعال الإدارة الأمريكية آنذاك لا تزال حتى وقتنا هذا حبيس صناديق أسرار الاستخبارات الأمريكية.
الخمينى يراسل "كيندى" ويطمئنه على مصالح بلاده
إحدى الوثائق الأخرى التى نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية بعد أن أفرجت عنها الـ CIA كانت مراسلات بين الخمينى وإدارة جون كيندى، ووفقا للوثائق، راسل الخمينى قبل أن يحظى بشهرة واسعة، وباعتباره أحد رجال الدين المناهضين لحكم الشاه رسالة إلى الإدارة الأمريكية، بعد أن أمضى أشهر فى سجون الشاه، بسبب خطبة أساء فيها له، واعتبره أداة فى يد إسرائيل، وبينما كان فى محبسه بمنطقة قيطرية بطهران عام 1963، وبحسب بى بى سى، أشار الخمينى فى رسالته إلى كينيدى إلى عدم إساءة تفسير تهجمه اللفظى على الولايات المتحدة لأنه يؤيد مصالح أمريكا فى إيران، وشدد على أنه لا يعارض المصالح الأمريكية فحسب بل يراها ضرورية لإحداث توازن مع المصالح السوفيتية فى بلاده.
وكشفت الوثائق حقيقة رسالة مرشد الثورة الإيرانية السابق ومؤسس الجمهورية الإسلامية الخمينى للرئيس الأمريكى جون كنيدى، واللقاءات السرية بين مبعوثى جيمى كارتر ومسشار الخمينى 1979 فى باريس، قبيل الثورة الإسلامية بأسابيع قليلة، والتنسيق الكامل بين الإدارة الأمريكية والخمينى، للاستحواذ على مقاليد الحكم فى إيران، وعبرت الوثائق عن دعم الخمينى للمصالح الأمريكية فى إيران.ونشر الموقع وثائق جديدة تشير إلى اتصالات سرية بدأت قبل يوما من خروج الشاه محمد رضا بهلوى من إيران عام يناير 1979، بين الخمينى فى منفاه بباريس، وعبرت واشنطن وقتها عن امتنانها لدولة فرنسا التى كانت همزة الوصل بينهما.وعلمت فرنسا أن الرئيس الأمريكى جيمى كارتر أوعز للسفير الأمريكى بطهران وليام ساليفان والملحق العسكرى الجنرال رابرت هايزر أن يشرعوا فى مفاوضات بين زعماء المعارضة والجيش، ومن أجل تحقيق كان عليهم التعاون مع آية الله الخمينى.
الخمينى وكيندى
وفى أعقاب هروب الشاه من إيران دخلت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والثوار مرحلة جديدة، ووفقا للوثائق فان "وارن زيمرمن" أحد كبار موظفى السفارة الأمريكية فى باريس التقى بمستشار الخمينى، ذهب إلى مقاطعة نوفل لوشاتو بسيارة السفير الأمريكى الشخصية والتى لم تكن تحمل أرقاما دبلوماسية حتى لا يتعرف عليه الصحفيين وأنصار الخمينى، ولم يستمر اللقاء أكثر من 20 دقيقة، واعتبر هذا اللقاء بدء عملية التواصل المباشر بين أمريكا والخمينى.
وقالت الوثائق إن الخمينى كان دائما فى مقابلاته الصحفية يتحدث عن كارتر بلهجة رقيقة، حيث أنه كان يخشى بعد خروج الشاه من إيران أن يتكرر سيناريو انقلاب 1953 وتعيد الولايات المتحدة الشاه مرة أخرى إلى العرش. لذا كان يتعمد الخمينى لقاء مواطنين أمريكيين عاديين ويستغل ذلك لإبلاغهم برسائله.وتحكى الوثائق عن لقاء جمع بين الخمينى ومواطن أمريكى يدعى ليونارد فريمن فى ضاحية نوفل لوشاتو بفرنسا، حمله رسالة إلى أمريكا، أكد فيها أنه إذا سيطر على مقاليد الحكم فى إيران، سيقيم حكومة العدل، و"سيستمر فى بيع البترول للولايات المتحدة الأمريكية". وأكد على نقل الرسالة إلى الحكومة الأمريكية.
وتم تسجيل الرسالة باللغة الإنجليزية على شريط، وتم تسليمها لفريمن كى ينقلها للحكومة الأمريكية. واتصل فريمن بالسفارة الأمريكية فى باريس ووصلت الرسالة إلى واشنطن فى نفس اليوم.وبعد 3 أيام رفض كارتر طلب السفير الأمريكى فى طهران وليام سوليفان، والملحق العسكرى الجنرال هايزر بإرسال مسئول بارز للقاء أية الله الخمينى، واعتبر ساليفان ذلك "خطأ لا يغتفر". لكن بعد 3 أيام هرب الشاه من إيران، وأصدر كارتر أوامر بفتح قناة اتصال سرية بين السفارة الأمريكية فى باريس والمقربين للخمينى متوخيا الحذر، وورد اسم هذه القناة فى الوثائق الأمريكية باسم قناة (يزدى-زيمرمن).
محادثات سرية بمباركة الخمينى
وأسند الخمينى مأمورية المحادثات السرية مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى إبراهيم يزدى وكان من أعضاء حزب "نهضت آزادى"(حركة الحرية) وعاش لسنوات فى تكساس، ويعرف الإنجليزية بشكل جيد. وريتشارد كاتم استاذ جامعة بيتسبرج الذى عرف بعد سنوات بعمالته لـ CIA داخل طهران. وكان يحث مسئولى البيت الأبيض ووزارة الخارجية على لقاء ممثل الخمينى فى أمريكا.ووفقا للوثائق بعد 3 أشهر فى 12 سبتمر 1979، التقى مسئول عن قسم إيران فى الخارجية الأمريكية هنرى بريكت ويزدى فى إحدى المطاعم. كما أجريا لقاءات بضاحية نوفل لوشاتو بحذر شديد.
الخمينى احتمى فى واشنطن من انقلاب محتمل من الجيش ضده
كما تشير الوثائق إلى أن آية الله الخمينى كان يخشى أن يحدث انقلاب محتمل من الجيش ضده، ووفقا لتقرير كبار موظفى السفارة الأمريكية فى طهران زيمرمن أن يزدى نقل تخوف الخمينى من ذلك، وأكد له المسئولين الأمريكيين أنهم لن يدعموا انقلاب الجيش ضده.كما أكد مبعوث الخمينى للأمريكيين أنهم سوف يعملون على ضبط غضب الثوار تجاه الولايات المتحدة، ولوح له أن "على واشنطن أن تستغل نفوذها للحول دون وقع انقلاب ضد الخمينى بعد هروب الشاه". وتسائل مبعوث الخمينى المسئولين الأمريكيين متى سيترك الشاه إيران؟، وأخبره دبلوماسى أمريكى أنه لا يمتلك معلومات. إلا أن الخارجية الأمريكية عادت، وأخبرته بيوم رحيله.
الخمينى أيد المصالح الأمريكية
ووفقا للسفير الأمريكى فى طهران ساليفان، رأى الخمينى أنه من مصلحته إبراز الصداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتقى مبعوثه الخاص بالدبلوماسيين الأمريكيين 4 مرات، ووفقا للوثائق كانت هذه اللقاءات عبارة عن إجابة على تساؤلات لدى آية الله الخمينى وحكومة كارتر. وأبلغت واشنطن الخمينى مرونتها تجاه الدستور الإيرانى ونوع الحكومة القادمة، كما بلغت الاتصالات بين إيران وأمريكا ذروتها فى اليوم الذى قام فيه الخمينى بعزل شاهبور باختيار أخر رئيس وزراء للشاه.كما كشفت الوثائق ارسال آية الله الخمينى، رسالة إلى حكومة الرئيس الأمريكى جون كيندى فى هدوء، بينما كان فى محبسه بمنطقة قيطرية بطهران سنة 1963، إذ أشار فيها إلى عدم إساءة تفسير تهجمه اللفظى لأنه يؤيد مصالح أمريكا فى إيران.