خالد ناجح

مصر تروّض غضب جبل المقطم

الثلاثاء، 05 فبراير 2019 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى المنطقة العشوائية يلهو الأطفال من الصباح وحتى آخر ضوء فى ساحات مليئة بـ«الزبالة» المتكونة عبر سنين وسنين، يرتدون ملابس غير متناسقة وغير نظيفة، وعند حلول الظلام، تخرج الأمهات من الحوارى والأزقة الضيقة المظلمة ممسكة بـ«جردل» به ماء الغسيل لتقذف به على كومة الزبالة لتسكن تلك النار الملتهبة منذ زمن بعيد، وقد تكون أكبر من أكبرهم عمرًا تلك الأدخنة التى ليس لها أول وغير المعروف مصدرها تتصاعد لتلامس ذلك الجبل القاتل الذى يغضب من فعل هؤلاء البشر بالعبث فى صخوره التى يقف عليها متحديًا، وعندما يشتد غضبه يلقى بإحدى صخوره لتقتل هؤلاء الناس الأبرياء القابعين وغيرهم فى بئر الفقر والجهل منذ سنوات، حيث يصل تعداد سكان المناطق الخطرة العشوائية إلى 850 ألف نسمة، بالإضافة إلى وجود 351 منطقة عشوائية غير آمنة، وتتركز ثلث المناطق غير الآمنة فى القاهرة الكبرى.
 
لكن بحسب دراسة أجرتها هيئة الاستشعار عن بعد والاستطلاعات الجيولوجية عام 1997، فإن السبب الأساسى للانهيارات الصخرية المتتالية بالمنطقة يتمثل فى تراكم مخرجات الصرف الصحى والكيماويات الناتجة عن تحلل النفايات الموجودة فيه التى تترسب على هضبة المقطم، ما أدى لتمدد الطَفلة أو المحتوى الطينى بالجبل والضغط على طبقات الحجر الجيرى، مؤثراً فى نهاية المطاف على تماسك الصخور، كما أشارت الدراسة أيضًا إلى أن تسابق المقاولين فى استغلال المحاجر قد يكون أحد الأسباب التى تؤدى للانهيارات المتتالية.
 
فى تلك المناطق لا توجد بها شبكات صرف صحى سليم، ولذلك الصرف ينزل على «الطَفلة» الموجودة أسفل الأحجار والصخور الجيرية الكبيرة، ما يسبب انزلاق الصخور بهذا الشكل ولا يصلح معها سوى الإجراءات الاحترازية التى يجب أن تنفذ حتى لا تقع أضراراً مرة أخرى وخسائر فى الأرواح، ومن تلك الإجراءات إخلاء المساكن من على حواف الهضبة والابتعاد 100 متر على الأقل، وأيضا منع البناء فى تلك المناطق هذا بحسب كلام الجيولوجيين.
 
أما الأهالى فيعانون والجبل قد ألقى إحدى صخوره، حيث عانى سكان المنطقة المصنفة «شديدة الخطورة» من العديد من الانهيارات التى تباينت خطورتها وآثارها على مدار العقود الأخيرة، والتى يعد أبرزها حادث الانهيار الصخرى الأشهر عام 2008، الذى لقى على أثره 100 شخص مصرعهم، عثر عليهم تحت أنقاض الصخرة المنهارة بعزبة بخيت، كنت هناك ككثيرين غيرى من الصحفيين والإعلاميين شاهدنا المأساة وكان همى رصد الحالة الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء الناس وكيف يعيشون فى هذه الحياة غير الآدمية.
 
تظاهر وتجمهر سكان المنطقة وقتها وتم رفع القضايا وحملت الدعوى رقم 804 لسنة 2015 التى اختصمت رئيس مجلس الوزراء، ومحافظ القاهرة، ورئيس حى منشأة ناصر، ومدير الإسكان بالحى، وكانت تطالب بتعويض قدره 2 مليار جنيه، وتم الفصل فى القضية فى يوليو 2017 عندما قضت دائرة التعويضات بمحكمة جنوب القاهرة فى زينهم، بإلزام الحكومة بتعويض ورثة 22 شخصًا من ضحايا حادث سقوط صخرة الدويقة بمنشأة ناصر الذى وقع فى 2008، بمبلغ قدره 4 ملايين و400 ألف جنيه لهم جميعًا، بواقع 200 ألف جنيه لأسرة كل ضحية.
 
غضبة الجبل لم تكن الأولى فى سبتمبر 2008، بل كانت حلقة فى سلسلة الانهيارات التى شهدتها منطقة الدويقة منذ سبعينيات القرن الماضى، إذ شهدت المنطقة كوارث تاريخية فى أعوام 1975، و1989، و1993، وتُعد الأخيرة الأكثر فداحة بعد حادثة عام 2008، حيث أدت لمصرع 100 مواطن من سكان حى الزبالين بمنشأة ناصر المتاخم للجبل التى كانت إحدى غضباته فى سبتمبر 2012، ما تسبب فى هدم عدد من العشش العشوائية المجاورة له، كما شهدت منطقة زرزور انهياراً آخر فى مارس 2014، تصدعت على أثره عشرات العشش، ولكن لم يُخلف الحادث أى ضحايا.
 
ومع وصولنا لآخر غضبات الجبل فى يناير 2019 التى انهارت فيه صخرة بمنطقة الدويقة بمنشأة ناصر دون وقوع ضحايا، بحسب ما أعلنت وزارة التضامن التى نقلت 82 أسرة إلى مساكن جديدة بحى الأسمرات.
 
هذه الصخرة سقطت بمنطقة محجر فوزى عليوة، وهى من إحدى المناطق التى سبق أن تم إخلاؤها وتسكين سكانها بحى الأسمرات، ضمن جهود الدولة لنقل المناطق الخطرة، سقوط الصخرة أيضًا بسبب وجود تسرب الصرف الصحى، نتيجة سوء الاستخدام.
 
لكن اللافت للنظر التحركات الحكومية جميعها، سواء من وزارة التضامن أو من صندوق تطوير العشوائيات ولجنته العلمية التى انتقلت مباشرة للموقع وأيضًا محافظة القاهرة،  كان التحرك سريعًا قويًا واتخذت قرارات فى صالح المواطنين بشكل سريع وحاسم عكس ما حدث فى كل تأثيرات غضبات الجبل السابقة على المواطنين.
 
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى سباقًا فى فتح هذا الملف الذى كان يخشاه الكل، فأطلق عددًا من التكليفات للارتقاء بمستوى حياة سكان المناطق العشوائية، من خلال خطتين متوازيتين، كانت الأولى: الخطة الوطنية للقضاء على ظاهرة العشوائيات، التى حملت فى طياتها مشروع «مصر بلا عشش»، بهدف توفير مسكن آمن وملائم، لسكان المناطق العشوائية الخطرة المهددة لحياة قاطنيها سواء من الدرجة الأولى أو الثانية.
 
أما الخطة الثانية فكانت توسع الحكومة من خلال أذرع رئيسية فى تنفيذ هذه الخطط، وهى وزارة الإسكان وصندوق تطوير العشوائيات وصندوق تحيا مصر والهيئة الهندسية، ورفعت الحكومة شعار «نبنى لنخرج الفقراء من فقرهم»، وأدارت وزارة الإسكان فقط فى السنة المالية 2016-2017 نحو 110 مليارات جنيه، فى مشروعات الإسكان والبنية التحتية.
 
وتأكيدًا على إصراره للقضاء على هذه المشكلة أسند الرئيس مسؤولية إنهاء ظاهرة العشوائيات فى مصر خلال عامين فقط، إلى وزارة الإسكان والقوات المسلحة للقضاء على المناطق غير الآمنة وتحويلها إلى مناطق تليق بمصر والمصريين بتكلفة 14 مليار جنيه مقسمة على عامين.
 
الرسالة التى وصلت المواطن هى أن الرئيس السيسى يعمل باحترافية فى سبيل القضاء على العشوائيات والمناطق الشعبية، ولديه حرص كبير فى هذا الملف من حيث توفير مساكن آمنة للمواطنين، وأن الرئيس مهتم بدعم المواطن البسيط من خلال الاهتمام به وتوفير مسكن آمن له فى بيئة نظيفة، ويهتم بشريحة كبيرة كانت مهمشة فى الماضى، ولديه إصرار للقضاء على العشوائيات بشكل نهائى ومن الدولة حتى لا يقع المواطن فريسة للاستغلال، فالرئيس بذلك يتبنى فلسفة جديدة فى ملف تطوير العشوائيات والعالم كله يتابعها بإعجاب.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة