هذا الرجل هو التجسيد الفعلى لتلك الحالة النادرة التى عاشتها مصر فى أوائل القرن الماضى، هو الشاهد على الصحوة المصرية الموسيقية وأحد أكبر صناعها، وهو بلا شك رائد موسيقى نادر، مخلص، عالم، متفانٍ، قد لا يعرفه الكثيرون الآن بسبب حالة القصور الذهنى التى تعيشها الثقافة المصرية مؤخرًا، لكن هذا لا ينتقص منه أبدًا، بل على العكس ينتقص منا، لكن يكفيه فخرا أننا مازلنا نردد أنغامه وننشد مبتهجين «اسلمى يا مصر إننى الفدا».
هو «صفر على» الرائد الموسيقى المصرى النبيل، الذى ولد 4 مارس عام 1884 وتدرج فى التعليم والوظائف حتى تم تعيينه فى وزارة الخارجية لإجادته اللغتين التركية والفرنسية، لكنه كان بين هذا كله يحب الموسيقى ويفضلها على ما سواها، برغم ميله الكبير إلى فن الخط، وبفضل شغفه بالموسيقى كان أحد أعضاء نادى الموسيقى قبل أن يتحول إلى المعهد الملكى للموسيقى العربية، ثم معهد الملك فؤاد للموسيقى العربية، ثم معهد الموسيقى العربية منذ ثورة يوليو وحتى الآن، وبفضل علمه الكبير وشعوره بالمسؤولية الوطنية الكبير أيضا كان أحد مؤسسى هذا المعهد الذى كان ثمرة صالحة فى أرض مصر، فاحتوى الفنانين وأسهم فى تكوينهم وترقى بهم وترقوا به، ويعرف كل من يقدم على تعلم فن العود المصرى قيمة هذا الرجل الكبير، فإلى الآن أيضا يدرس الطلاب المنهج الذى وضعه بالاشتراك مع الأستاذ عبدالمنعم عرفه.
نحن الآن نحتفل بمئوية ثورة 1919، لكن لأننا نحتفل على السطح ومن السطح وإلى السطح، فهذا الرجل على سبيل المثال أحد أهم الأصوات المعبرة عن زمن هذه الثورة وناسها، فبإيمانه صنع حالة راقية من العلم الموسيقى، كما صنع أجيالا من الموسيقيين يصعب حصرهم أو ذكرهم من كثرتهم، لكن ما يهمنى الآن هو أن ندرك أن تلك الحالة الراقية من الريادة الموسيقية التى اقتنصتها مصر كانت بفضل أمثال هذا الرجل الصبور المكافح القوى العالم، فقد انساق هذا الرجل وراء شغفه وسعى بكل ما يملك لتكون مصر فى صدارة الموسيقى العربية، هو ونفر من أصدقائه آمنوا بما يفعلون واستعدوا له، فاستحقوا أن يخلدوا فى ذاكرة مصر، حتى لو أصيب غالبية أبنائها الآن بداء الزهايمر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة