تعانى المؤسسات الصحفية العربية من أزمات مالية طاحنة خلال العقد الأخير، أدت لإغلاق عدد كبير من الإصدارات الورقية فى عدد من البلدان العربية، ويقف القائمون على الصحافة العربية عاجزين أمام الأزمات المالية المتلاحقة والخسائر الفادحة للمؤسسات الصحفية بسبب قلة التوزيع وارتفاع أسعار الورق وتفضيل غالبية القراء لمتابعة الأخبار عبر المنصات الرقمية.
وشهدت الأعوام الثلاثة الأخيرة توقف عدد من المؤسسات الصحفية فى الدول العربية عن إصدار العدد الورقى بسبب الظروف المالية الصعبة التى تعيشها تلك المؤسسات، وكان آخرها إعلان صحيفة الرسالة الفلسطينية اليوم الخميس، التوقف عن إصدار النسخة المطبوعة للصحيفة فى غزة لتعلن رحيل الورق وبقاء رسالتها الإعلامية عبر المنصات الرقمية.
انطلقت صحيفة الرسالة الفلسطينية بعددها الأول فى فبراير 1997، وفى مارس 2019 تجبر الأزمة المالية الصحيفة على وقف الطباعة، وأصدرت الصحيفة 1678 عددا مطبوعا وثقت بها مراحل فاصلة فى الحياة الفلسطينية، فتتبعت جرائم الاحتلال الإسرائيلى، وشهدت انتفاضة الأقصى، وواكبت الانسحاب الإسرائيلى من غزة، ونقلت آثار الحصار، وكانت حاضرة بين دخان ثلاث حروب على القطاع.
وشهدت "الرسالة" تطورا فى أدائها وحققت قفزات فى مجال العمل الإعلامى، ووضعت بصمتها فى الصحافة الاستقصائية، وارتفع شعارها على منصات التكريم العربية والدولية وهى تحصد جوائز العمل الصحفى.
ومع تواصل الصحافة تراجعها أمام سطوة مواقع التواصل الاجتماعى لجأت عدة صحف عربية لإغلاق أبوابها والتوقف عن إصدار الطبعة الورقية والاكتفاء بالموقع الإلكترونى باعتباره مستقبل الصحافة، فضلا عن مواكبة الأحداث وسرعة نقل المعلومة إلى القارىء فى ظل الحرب المعلوماتية التى تقودها بعض الجهات عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعى.
وفى بيروت، واستمرارا للأزمات المالية التى تلاحق الصحف الورقية، مع هيمنة المواقع الإلكترونية، أعلنت صحيفة "المستقبل" اللبنانيّة مطلع العام الجارى توقفها عن إصدار العدد الورقى وكتبت نهايتها فى عدد ورقى أخير خال من الأخبار، وملىء بالذكريات وكلمات الوداع.
وبعد أن أصدرت الصحيفة على مدى عشرين عاما، 6585 عددا ورقيا، قالت إنها واكبت خلالها الهم الإنسانى والوطنى والاجتماعى والاقتصادى والثقافى والرياضى وغيره، أعلنت أن الانطلاقة الرقمية لها ستتجدد فى 14 من فبراير 2019، وهو يوم اغتيال الحريرى عام 2005.
وكانت إدارة صحيفة المستقبل اللبنانية قد أعلنت أوائل يناير، أنها ستتوقف عن الصدور فبراير الماضى، وبررت ذلك فى بيان بالقول إنه "أمام التحولات التى تشهدها الصناعة الصحفية فى لبنان والعالم، والتراجع المتواصل الذى تشهده السوق المحلية فى المبيعات والمداخيل الإعلانية، قررت إدارة جريدة المستقبل وقف إصدار النسخة الورقية من الجريدة بدءا من 1 فبراير 2019، والتحول إلى جريدة رقمية بالكامل".
وعلى 16 صفحة، نشرت الصحيفة أبرز أغلفتها وصفحاتها الأولى القديمة، وبينها تغطية اغتيال رئيس الوزراء الراحل، رفيق الحريرى، وما تلاه. وعلى صفحتها الأولى، كتبت الصحيفة عن "المستقبل بين جيلين"، بالإضافة إلى مقال وداعى حول عملها على مدى عشرين عاماً بعنوان "20 عاماً... وما خلصت الحكاية".
وأضافت الصحيفة اللبنانية، أن عددها الأول "سطر بالأمل فى 14 حزيران من العام 1999، يوم احتضنت العاصمة بيروت نحو 18 ألف مستمع من لبنان والدول العربية والأجنبية ممن حضروا ليطربوا على صوت مغنى التينور الإيطالى لوتشيانو بافاروتى".
وليست جريدة "المستقبل" وحدها التى تأثرت، فقد خنقت الأزمات العديد من المؤسسات الإعلامية فى لبنان، كان بينهم صحيفة النهار اللبنانية، التى فأجات قرائها، أكتوبر الماضى، بالصدور بسبع أوراق بيضاء، ووجدت صحيفة النهار نفسها أمام خيارين، إما إقفال الصحيفة، وإما البحث عن مصدر جديد، وهو القرار الذى لجأت إليه بتحويل جزء من محتواها الإلكترونى إلى خدمة مدفوعة.
وسبق صحيفة النهار، جارتها "السفير" التى اتخذت قرارا بتحولها إلى نسخة إلكترونية بشكل كامل، بسبب الظروف الصعبة التى تواجهها. يضاف إلى هذه الصحف أيضا صحيفة "اللواء" و"الأنوار".
كما يضاف إلى ذلك إعلان صحيفة "الحياة" اللندنية توقف طبعتها الورقية، فى فرنسا ومصر ولبنان، حيث أعلن، مدير مكتب جريدة الحياة اللندنية، أن الجريدة أوقفت الطبعة الورقية، فى فرنسا ومصر ولبنان، وأن الطبعة الورقية مستمرة فى السعودية ودبى، مؤكدا أن نسخة دبى هى النسخة الدولية، ولا نية لإلغائها.
وأوضح مدير مكتب جريدة الحياة اللندنية، أن إلغاء النسخة الورقية فى الدول الثلاث؛ يأتى ضمن خطة الجريدة التى بدأتها منذ 3 سنوات، للتحول نحو الديجيتال.
وتعانى المؤسسات الصحفية فى البلدان العربية وخاصة فى مصر وفلسطين وسوريا ولبنان من أزمات مالية طاحنة بسبب ارتفاع تكاليف إصدار العدد الورقى، وهو ما دفع بعض المؤسسات الصحفية لرفع أسعار العدد الورقى لمواجهة التحديات والأعباء الضخمة التى تواجه الصحافة المطبوعة، فيما لجأ البعض الآخر لإعلان التوقف عن إصدار الأعداد الورقية والاكتفاء بالموقع الالكترونى.