بالرغم من تصاعد اليمين المتطرف فى أوروبا وأمريكا وأستراليا، وكل دول العالم الأول تجاه المهاجرين عموما والمسلمين خاصة، فإن هجمات برينتون تارنت علامة على تحول داخل جماعات ومنظمات عنصرية، تراهن على المهووسين والقابلين للتجنيد حتى ينفذوا أفكار اليمين، وهى عمليات لم يذكر مرتكبوها أنها رد فعل على إرهاب داعش، لكنها تصب فى نفس اتجاه الكراهية والعنصرية، يوظف الآخر لتأكيد وجهة نظره، فقد انضم أوروبيون لداعش، كما تواصل إرهابى نيوزيلندا مع نظرائه الأوروبيين.
ولا يمثل وصف الإرهابى الأسترالى برينتون تارنت، منفذ الهجوم على المسجدين فى نيوزيلندا، بالهوس، نوعا من التبرير، لكنه يكشف عن خطر الإرهاب العنصرى الدينى والعرقى لقطاعات تنمو فى دول العالم الأول، فيما أطلقنا عليه «إرهاب معولم»، يقوم على اتصالات متعددة ويستخدم أدوات التواصل فى تقريب وجهات النظر وربما التخطيط وتبادل التعليمات.
الإرهابيون غالبا ما يكون لديهم نوع من الهوس الدينى أو العرقى يجعلهم قابلين للتشكيل والتجنيد، والإرهاب ليس عملا فرديا حتى مع اعتراف برينتون، فالشاب يمثل قطاعا داخل المجتمع الأسترالى والنيوزيلندى، يضم أعضاء فى البرلمان يبررون جريمة برينتون ومنهم السيناتور الأسترالى فرايزر أنينج الذى كتب وصرخ بشكل واضح يبرر الإرهاب الذى مارسه تارنت، و برر مجزرة كرايست تشيرش، وقال فى بيان نشره على حسابه فى «تويتر»: «السبب الحقيقى لإراقة الدماء فى نيوزيلندا اليوم هو برنامج الهجرة الذى سمح للمسلمين بالهجرة إليها» وقال: «لنكن واضحين، ربما يكون المسلمون ضحية اليوم، لكن فى العادة هم المنفذون»، على حد تعبيره.
السيناتور ومعه نواب تم انتخابهم من قطاعات من المجتمع يمثلون قطاعات من المهاويس أعداء الأجانب والمسلمين، وهم ليسوا أغلبية داخل المجتمع الأسترالى والنيوزيلندى أو حتى أوروبا، لكنهم جماعات لا يمكن التقليل من قوتهم وهوسهم ورغبتهم فى قتل وتصفية الأجانب والمسلمين، وأغلبهم يؤمنون بعقائد فاشية تماما مثل أعضاء داعش أو تنظيمات الإرهاب فى المجتمعات العربية التى يمثل الإرهابيون فيها أقلية، لكنهم يستندون لأفكار وعلاقات، فضلا عن أنهم مهووسون دينيا بشكل يجعلهم قابلين للتجنيد والقتل.
ومثلما داعش لها ظهير ممتد فى دول كثيرة، بل إن هناك أثرياء ومهاويس كثيرين يحتفون بداعش وأخواتها، فإن اليمين المتطرف فى أستراليا وأوروبا له ظهير دينى وثقافى، وليس فقط أمثال السيناتور فرايزر أنينج، والذى وصفه رئيس الوزراء الأسترالى سكوت موريسون فى معرض رده وإدانته لليمين بقوله «تصريحات السيناتور أنينج لا مكان لها فى أستراليا، فكيف بالبرلمان الأسترالى؟»، كما هاجم صبى فى الـ17 من عمره، يدعى ويل، السيناتور، ووقف خلفه خلال إدلائه بتصريحات صحفية فى مدينة ملبورن الأسترالية، وضربه ببيضة على رأسه، ورد السيناتور بضرب الصبى بقوة، وتم القبض على ويل والإفراج عنه بعد ذلك.
وظهر تارنت أمام المحكمة، وهو يضم أصبعيه السبابة والإبهام على شكل دائرة ويرخى بقية أصابعه مفرودة فى إشارة يرفعها دائما من باتوا يعرفون بـ«المتفوقين البيض» الذين يعارضون الهجرة، كما أشار فى بيانه «الإحلال العظيم» أن «الأوروبيين البيض» يفشلون فى التكاثر والإنجاب، ويطلق على المهاجرين لقب «الغزاة الجدد»، ويكتب عبارات وأسماء لقادة فاشيست وعنصريين فى أنحاء أوروبا ارتكبوا مجازر، وهو تشابه آخر مع الدواعش والإرهابيين لدينا ممن يوظفون قصص التاريخ لصالح القتل.
تارنت قام بجولات استمرت 7 سنوات فى أنحاء أستراليا ودول آسيوية من بينها كوريا الشمالية وتركيا وصربيا، وأصبح مهووسا بالأيديولوجية الفاشية، وهو عضو فى منتديات شبكات اليمين المتطرف وينشر فيها بصورة متكررة مقالات وآراء يشارك فيها زملاءه المجهولين بشأن نواياه بشن هجوم وبث عملية الهجوم بصورة مباشرة على «فيس بوك»، وقبل الهجوم كتب لزملائه: «إذا لم أنج من الهجوم، فالوداع.. أترككم برعاية الرب«، وردوا عليه ليوجهوا له التحية ويشجعوه.
برينتون تارنت وسابقوه هم نتاج لهوس أفكار الفاشية والعنف، وتتقارب مع إرهاب داعش وأخواته، التى تستند إلى خليط من التاريخ المشوه، والمعتقدات والأفكار المختلة، والتى تتحول داخل مجموعات وتنظيمات إلى سياقات للإرهاب والقتل، ويتوقع أن يتكرر مثل هذا الحادث الإرهابى، هناك تهديدات فى بريطانيا وأوروبا، وتم تفكيك عبوات ناسفة فى أكثر من مكان بنيوزيلندا، من قتلة يؤمنون بتفوق العرق الأبيض، ويرون خطرا من المهاجرين «الغزاة».. هناك جذور واحدة للإرهاب المهووس.