عصام شيحة

التعديلات الدستورية فى الميزان! «2»

السبت، 02 مارس 2019 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يعجبنى اختزال التعديلات الدستورية المقترحة فى مجرد السعى نحو مد فترة رئاسة الرئيس السيسى، ففى ذلك إجحاف كبير للأهداف الوطنية المخلصة التى تتبنى رؤية إجراء تلك التعديلات بغرض إصلاح النظام السياسى ككل، ذلك أن استهداف أى تعديلات دستورية لمصلحة شخصية أياً كانت لا يمكن أن تكون من بين الأغراض المشروعة والمتعارف عليها فيما سبقنا من تجارب ناجحة على طريق بناء دولة مدنية حديثة.
 
من جانب آخر، فإن المتابع لأداء الرئيس السيسى، سواء داخلياً أو خارجياً، لابد وأن يلمس بوضوح كم هو حريص على وضع المصلحة الوطنية فى المقام الأول دائماً، وفى سبيلها لا يتوانى عن بذل كل جهد بأمانة تحتمها نشأته العسكرية، وبتجرد شديد تفرضه أخلاقياته الإنسانية، بل وفيما يُبديه من أدب واحترام تجاه الغير، صغير وكبير، وهو أمر فى الواقع لم تشهده التجربة الوطنية المصرية من جانب مؤسسة الرئاسة فى أى عهد مضى.
 
ولنكن أكثر صراحة، فنشير إلى ما تم من إصلاحات اقتصادية ألقت بأعباء ثقيلة على كاهل المواطن، والذى هو فى الأخير الناخب الذى سيدلى بصوته فى أى استفتاء أو انتخابات، ولما كانت هذه الإصلاحات بشهادة كل المؤسسات الدولية المتخصصة فى صالح اقتصاد الوطن، ولا بديل عنها لو أرادت مصر أن تخطو بثقة على طريق التنمية، فإن الرئيس السيسى وضع رهانه على مصلحة الوطن، وافتداها بجزء من شعبيته، سرعان ما سيسترده حين يدرك المواطن أن الإصلاح الاقتصادى بأعبائه لم يكن إلا ضرورة تحتمها الظروف الراهنة، مثلما فرضها ميل الرؤساء السابقين إلى عدم مصارحة الشعب بالحقائق كسباً لأصوات انتخابية مؤقتة تُطيل فترات بقائهم على مقاعد الحكم، على حساب المصلحة الوطنية وحقوق الأجيال المقبلة، صاحبة المستقبل فى هذا الوطن الغالى.
 
من جانب آخر، فإن التعديلات الدستورية أمانة ضخمة فى عنق الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب، وهو أهل لها بدون شك، وثقتى كبيرة فى إدارته الواعية للجلسات المعنية بالتعديلات الدستورية، كعهدى به فيما مضى من حكمة وحسم فى إدارة جلسات المجلس بشكل عام. ومن ثم فإننى أثق فى قدرة الرجل على إدارة حوار ديمقراطى بناء تحت قبة البرلمان، بما يشكل نواة ينبغى البناء عليها عالياً فى كل مكونات المجتمع المصرى، ليتسع الحوار فيشمل كل المؤسسات المدنية، الشريكة فى إدارة شؤون الدولة بحكم دورها الرائد فى الدستور.
 
ومن هنا فإن حديث الدكتور على عبدالعال عن أن التعديلات الدستورية إنما تنبع من داخل البرلمان، ولا صلة لها بالرئيس السيسى، فإن الرجل يقرر واقعاً يلمسه كل متابع غيور على الحقيقة، وما توفره من فرص لدعم الأمن القومى المصرى، وثقتى بالقدر ذاته فى أعضاء مجلس النواب الذين حصلوا على مواقعهم تحت القبة فى خدمة الوطن بثقة الشعب فيهم، وبقدرتهم على التعبير عن مصالحه واحتياجاته ومكتسباته.
 
لا أريد أن أدخل بالقارئ إلى تفاصيل دقيقة، وأسرد له تجارب من هنا وهناك عن تعديلات دستورية تمر بسهولة عبر نقاش مجتمعى محايد ومتوازن لتعزز من الأمن القومى للبلاد، وتصحح من المسار إلى الوجهة الأفضل؛ فتلك سمة رئيسة فى أى تعديلات دستورية. وإنما أود لو أن القارئ يدرك أن ظروفاً خاصة تمر بها البلاد، تفرض علينا التمسك بالرجل الذى قاد ثورة الثلاثين من يونيو حاملاً حياته على كفه من أجل المصلحة الوطنية العليا، ثم إن بديلاً مناسباً لم تفرزه الحياة السياسية حتى الآن، ومن ثم فإن الاستقرار ثم الاستقرار هو ما نحتاجه بشدة فى الوقت الراهن المزدحم بالتحديات والمخاطر، فأى عيب إذا تمسكنا بمن أنقذ البلاد من التحول إلى دولة دينية تعود بنا إلى قرون مضت حين أزهقت الدولة الدينية آمال أوروبا فى التنمية والتقدم، وخاضت بهم العديد من الحروب الدامية، إلى أن انقشع شبح الدولة الدينية عنهم واتجهوا بثقة صوب ترسيخ مفاهيم الدولة المدنية، بقيمها الإنسانية النبيلة، وبقى أن يستجيب الرئيس السيسى لنداء الوطن، ولا أظنه غير ذلك، فلا يلقى بالمسؤولية، ويسعى إلى الراحة تخلده أعماله الوطنية الضخمة، وإنما يستمر فى حمل الأمانة ويثق أن الشعب أدرك حقوقه، وبها يتمسك به رئيساً ليستكمل بناء الدولة المدنية الحديثة التى نادى بها وصدقه الشعب وسار خلفه إليها بكل صبر وتضحية.
 
وحسب تعبير الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، فإن التعديلات الدستورية المقترحة لن تمس النظام البرلمانى وصلاحياته، ولست أرى فى ذلك إلا ضمانة قوية للتمسك بالمكتسبات الديمقراطية التى حصل الشعب عليها فى دستور 2014، وهو الأمر الذى يطمئن معه قلبى إلا أن التعديلات الدستورية الجديدة لا تستهدف إلا المصلحة الوطنية، ولا عودة للوراء أبداً، بل خطوات واسعة وجادة نحرزها على طريق التنمية المستدامة والشاملة، وصولاً إلى صرح الدولة المدنية الحديثة.
 
وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله، وبميزان شديد الحساسية والدقة، نقيم التعديلات الدستورية المقترحة، بشىء من التفصيل.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة