أصبحت مواقع التواصل واقعا تتداخل فيه المعلومات بالشائعات، والآراء بالأخبار، والتعليق بالتحليل، ووسط الزحام يصعب التفرقة بين الحقيقى والزائف أحيانا أو بين الغاضب والمزايد، ويندمج فى التحليل من دون معلومات، وقبل أن تعلن الجهات الرسمية تقارير واضحة، وفى الزحام يصعب التفرقة بين المدعى والشامت أو المحرض والناقد، وأخطر ما يحدث أن البعض ينخرط فى ترديد وإعادة نشر تقارير وصور قبل التأكد منها، أو يفرط فى نشر صور الضحايا والمحترقين، مثلما حدث فى صدام محطة مصر، بما يتنافى مع أى قواعد إنسانية، وأحيانا يكون النشر بهدف إثبات العلم والسبق، بالرغم من أن النشر يعد نوعا من التمثيل بالجثث أصاب أهالى الضحايا بصدمات إضافية تضاعف آلامهم، ونفس الأمر حرص البعض على التقاط صور سلفى مع القطار المحترق وهو مبتسم فى بلاهة.
يضاف إلى ذلك ظاهرة الإفراط فى تقديم صور وتحليلات لا علاقة لها بالحادث بهدف جمع اللايكات، أو المزايدة والادعاء بالعلم، مع أن الحادث فى كل الأحوال يثير الغضب، والحنق والحزن على الضحايا من أهلنا.
فى واقعة القطار وقبلها فى حوادث كثيرة، وقبل ظهور نتائج الفحص الهندسى، يصعب الحكم على شىء، فقط مؤشرات على إهمال جسيم يصل إلى حد العمد، فى حال ثبتت قصة المشاجرة وترك القطار بلا سائق، أو غموض السرعة الكبيرة للقطار وحجم الانفجار، وبالرغم من الإشارة بوجود إهمال جسيم من السائقين، فلا شك هناك مراحل أخرى فى المنظومة فى حال التدخل يمكن أن توقف القطار المندفع وتقلل من حجم الخسائر البشرية.
يضاف إلى ذلك وجود مؤشرات على أن السائق ثبت فى حقه الإهمال وتعاطى المخدرات من قبل وتم وقفه ثم عاد، هناك من يشاركون السائق الإهمال الذى أدى للكارثة، ونظن أنه بدلا من الغرق فى الفرعيات، أن يكون هناك وقفة واضحة لحل جذرى يعالج مواطن الخلل، وهى خطوات يحددها المختصون وأيضا التوصيات المتراكمة طوال سنوات.
قبل ثلاث سنوات تقريبا اعترف وزير النقل الأسبق، المهندس سعد الجيوشى: «لأننا فاشلون فى الإدارة.. ومهما أنفقنا على السكة الحديد مع المنظومة الفاشلة لن يتغير الوضع، وستظل الخدمة بدون تحسن»، وظهرت فكرة الاستعانة بشركات أجنبية، ينتهى دورها بمجرد تدريب وتعليم العاملين كيفية إدارة المرفق.
الاعتراف وقتها بدا صادما، ورد رئيس هيئة السكك الحديد الأسبق وقال: إن سكك حديد مصر مليئة بالكفاءات، التى تحتاج حسن توظيفها والاستفادة منها، ولم يقدم رئيس الهيئة الأسبق تفسيرا لاستمرار الفشل فى عهده هو ورؤساء الهيئات السابقين، بالرغم من إنفاق المليارات.
الحديث عن حل جذرى والاستعانة بخبرة أجنبية أو إدخال القطاع الخاص فى السكك الحديدية، دائما ما يثير مخاوف، لأنه يرتبط بتقليل حجم العمالة وإعادة توزيع الاختصاصات، ورفع أسعار الخدمة، وهل هناك استعداد لتحمل هذه الفاتورة، وضبط العلاقة بين التكلفة والسعر، وهناك تجارب لإدارة قطارات بريطانيا، التى تمت خصخصتها فى عهد تاتشر فى الثمانينيات وتطويرها ثم استعادتها الدولة، لكن بقيت تحت إدارة خاصة، وانتهت الخسائر. وكل هذا نقاش مستمر، مع توصيات موجودة واقتراحات تمثل بداية للتوصل إلى حل جذرى، يقوم على المصارحة.