د. سالم الكتبى

هدية لإسرائيل وإيران أيضا

الأحد، 24 مارس 2019 11:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يتفق الجميع على أن الشرق الأوسط منطقة مليئة بالألغام السياسية والتعقيدات الأمنية؛ فهناك ملف الإرهاب الذى يتفشى فى مناطق ودول شتى، وهناك القضية الفلسطينية التى تراوح مكانها وتفرز المزيد من الأزمات ولاسيما منذ قرار إدارة الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فضلاً عن التوسع الإيرانى والتدخل فى شؤون المنطقة، وتمدد إيران فى سوريا وتمسكها بانتشار قواتها فى هذا البلد العربى العريق وتزويد ميلشيات الحوثى اليمنية بالأسلحة والعتاد والصواريخ، وتحرض عناصرها على رفض الجهود الدولية لتسوية الأزمة اليمنية سياسيا.

ما سبق يؤكد أن المنطقة ليست بحاجة إلى المزيد من الأزمات، وأن إضافة أى أزمة جديدة سيكون عبئاً جيوسياسياً كبيراً على دول الإقليم، الساعية إلى البحث عن مخارج وحلول للأزمات القائمة بالفعل.

وبالتأكيد فإن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يدرك تماماً تفاصيل المشهد الاستراتيجى فى الشرق الأوسط، ولكنه لا يعبأ سوى بتحالفه مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ويريد أن يواصل هداياه السياسية لإسرائيل على حساب الحقوق المشروع للعرب، سواء فى الأراضى الفلسطينية المحتلة أو فى الجولان السورى المحتل.

فبعد أشهر من قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، فاجأ الرئيس ترامب العالم بقوله إن الوقت قد حان لدعم "السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية، وهو موقف يجافى كل قرارات الشرعية الدولية، التى تعتبر أن الجولان أرض سورية محتلة منذ عام 1967، وأن قرار المحتل توقيت الإعلان عن قرار الرئيس ترامب يستهدف تعزيز فرص نتنياهو فى الفوز بالانتخابات الإسرائيلية المقبلة المقرر إجراؤها فى التاسع من أبريل الجارى، حيث اعتبر ترامب أن "الوقت قد حان لاعتراف الولايات المتحدة الكامل بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التى لها أهمية استراتيجية وأمنية حيوية لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمى”!

الواضح إذن أن النية كانت مسبقة لدى ترامب لتبنى هذا الموقف منذ أن طلب منه نتنياهو ذلك فى أول لقاء لهما معاً بالبيت الأبيض فى فبراير 2017، ولكنه بادر لإعلانه لإرضاء اللوبى الموالى لإسرائيل فى الولايات المتحدة، حيث سيلقى نتنياهو خطاباً احتفالياً بهذه المناسبة خلال زيارته المقررة للولايات المتحدة الأسبوع المقبل.

قرار ترامب يمثل تأثيراً كبيراً على السباق الانتخابى الإسرائيلى لمصلحة نتنياهو رغم تراجع فرص فوزه بسبب اتهامات الفساد التى تحاصره، وبالتالى كان بديهياً أن يشعر نتنياهو بالثقة فى الفوز ويشير إلى أن ترامب "يصنع تاريخاً"، وقال نتنياهو فى تغريدة له "فى وقت تسعى فيه إيران لاستخدام سوريا منصة لتدمير إسرائيل، يقدم الرئيس ترامب بشجاعة على الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان. شكرا الرئيس ترامب"، والحقيقة أن هذه الهدية الترامبية ليست لنتنياهو فقط، بل هى بالأكثر لإيران، التى ستنظر إلى قرار الرئيس ترامب باعتباره طوق انقاذ لمأزق وجودها فى سوريا، حيث وجدت مبرراً جديداً لوجودها فى سوريا بعد هزيمة تنظيم "داعش"، وتوجه الأنظار نحو محاسبة إيران على استمرار وجودها العسكرى فى سوريا وانتفاء مزاعم ملاحقة الإرهاب، بل أن من المفارقة أن تقرر الإدارة الأمريكية ذلك بالتزامن مع ذروة جهود بناء تحالف عربى امريكى يتصدى لنفوذ إيران وتوسعها فى الشرق الأوسط، ويوفر لملالى طهران فرصة نادرة لصرف الأنظار عن مخططها والادعاء الفارغ بالتصدى للاحتلال الإسرائيلى للجولان السورية!

ردود الفعل العربية والدولية الصادرة حتى الآن تتمحور جميعها حول الإدانة والشجب والرفض والاستنكار، والتمسك بأن الجولان أرض سورية، ومطالبة ترامب بالتراجع عن قراره، ولكن الرئيس الأمريكى رد ضمناً على كل ذلك بالقول أن هذا القرار "قد أخذ منه وقتاً كثيراً فى التفكير"، ما يعنى أنه لن يتراجع عنه، لاسيما أن مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية قال فى تصريحات صحفية أن ترامب قد ناقش الفكرة قبل إعلانها مع وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومى جون بولتون، ومستشاره وصهره جاريد كوشنر، والمبعوث الأمريكى للشرق الأوسط جيسون جرينبلات، والسفير الأمريكى لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، وأن الجميع "أيدوا الفكرة"!

اللافت من بين كل ردود الأفعال الدولية، أن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، قد أحجم عن التعليق على قرار ترامب!

قد يكون ترامب قدم هدية سياسية لنتنياهو، وهدية مجانية لإيران، ولكنه بالمقابل قضى تماماً بل وأد تماماً أى فرصة لتحرك الولايات المتحدة فى عملية السلام بالشرق الأوسط سواء من خلال ما يعرف بصفقة القرن أو غيرها، كما أحرج جميع حلفاء الولايات المتحدة العرب، وأضعف مقدرتهم على التجاوب مع أى دور أمريكى فى عملية السلام خلال المدى المنظور.

من الناحية التحليلية أيضاً، فإن ترامب لم يقدم فقط طوق انقاذ لنتنياهو، بل يحاول كذلك أن يساعد نفسه ويعزز موقفها السياسى داخلياً من خلال كسب مزيد من دعم قاعدته الانتخابية من المسيحيين الانجيليين، وكذلك جماعة "أيباك" أقوى جماعة ضغط مؤيد لإسرائيل داخل الولايات المتحدة.

هذه الأزمة الجديدة فى الشرق الأوسط هى هدية لإيران أيضاً بجانب إسرائيل، على حساب حق عربى مشروع، وكأن الولايات المتحدة قد كرست نفسها لتقديم الهدايا المعززة لنفوذ إيران الاقليمى طيلة العقدين الماضيين بأخطاء استراتيجية ناجمة عن تقدير الأمور استراتيجياً من زاوية واحدة فقط.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة