يعتصرنى الحزن والألم وأنا أطالع التهجم على قامة الأستاذ مكرم محمد أحمد من بعض الأصدقاء المؤرقين خشية على الحريات الإعلامية وفق لائحة المجلس الأعلى للإعلام، التى صدرت ومعها انتقادات واجبة على كل مشتغل بمهنة قوامها حرية التعبير، يراها الأستاذ مكرم منظمة للوسط الإعلامى، الذى ضربته الفوضى العارمة، ويراها الغالبية لائحة عقابية ما كانت تصدر عن مجلس يترأسه عميد الصحافة المصرية.
لا تلين له قناة، هكذا الأستاذ مكرم، ولا يهادن فى حق اعتقده، ولكن الحق أحق أن يتبع، هذا اللائحة بما فيها من مواد عقابية لا تليق بتاريخ الأستاذ، ولا بمقامه، ولا بما استبطن طوال عمره من كفاح مهنى تواقا إلى صحافة حرة ومسؤولة وطنيًا.
استهداف الأستاذ مكرم على الصفحات الفيسبوكية، وعلى المواقع الصحفية يحزن تلاميذه، وواجب مستوجب ممن تعلم على يديه الحروف جميعا أن يقول للأستاذ، هذه لائحة مقيدة لما يستوجب تحرره من ربقة العقوبات، التى توقف وتغلق وتعمل سيف الرقابة فى رقاب تشرئب لمزيد من الحريات فى دولة تستحق حريات مستحقة فى عصر الاستحقاقات الكبرى.
ما كان أغنانا عن هذه اللائحة، وفى القانون ملجأ وملاذ لكل متضرر، وفى مواثيق النقابات المعنية بحرية الرأى وحقوق المواطن ما يكفى ويزيد، وما أغناه شخصيا أن تلحق هذه اللائحة المعيبة فى حقه وتاريخه الذى شهد نضالات لم يسجلها بعد، وتسجلها مقالاته ومقولاته وأفكاره، الذى صدح بها كثيرا يوم جبن آخرون.
الأستاذ مكانه الحقيقى بين الرافضين لأية عقوبات أو تضييقات، وموقعه فى صفوف المنادين بالحرية المسؤولة، وهذا مكانه الذى استحقه بنضال عمره، أطال الله فى عمره، وليس منة من أحد، أو تزلفا من أحد، فالرجل قابض على جمر المهنة طوال عمره، لا ارتزق منها ولا اغتنى، بل يكافح مثل بقية خلق الله الصحفيين طلبا للستر.
أقول قولى هذا وطعن أمام القضاء لإلغاء اللائحة، ولا نصادر على حكم القضاء، ولكن مراجعة هذه اللائحة من خلال حوار مسؤول يدعو إليه الأستاذ مكرم مع مجلس نقابتى الصحفيين والإعلاميين وملاك الصحف والقنوات والمواقع ليبحثوا منافع لهم فى هذه اللائحة «المرفوضة» دون مصادرة، أو تحزب، أو تصورات مسبقة وجاهزة.
يقينًا لا نملك رفاهية الاحتراب على أرضية مهنية، والحريات حاجة أساسية، والأستاذ لا يمارى فى الحريات، ونصب عينيه الحريات المسؤولة، يطلبها محكومة باعتبارات اجتماعية وأخلاقية تنبذ الفتنة والتعصب والافتئات على حقوق المجتمع، وهذا ما يمكن التوافق عليه ومن حوله دون إقصاء.
مجالس النقابات المنتخبة لن تمارى فى الحقوق المجتمعية، ولن تزايد على الأستاذ مكرم فى ضبط الحريات لتكون مسؤولة، وهناك مواثيق تحكم العمل الصحفى والإعلامى أقدم كثيرًا من أى لوائح مستحدثة تسلب النقابات الحق الأصيل الذى يعلمه الكبير، فى محاسبة المتجاوزين، لسنا فى حاجة إلى المزيد.
الأستاذ مكرم من النقباء التاريخيين، ويعلم علم اليقين أن هذه المرحلة تحتاج إلى مزيد من الحريات المسؤولة المحكومة بإطار أخلاقى، ولكن باتفاق بين الفرقاء، المزايدة على الأستاذ لن تنتج سوى خسارة محققة، فيما هو متاح من هامش نتشوق لتوسيعه، ليس بالإغلاق أو التعطيل أو الغرامات الباهظة التى لا تقوى عليها قنوات ومواقع وصحف تعانى شظف العيش، وتسرح العمالة على نحو يهدد المهنة بالأساس.
صدر الأستاذ لا بد أن يتسع لانتقادات تلاميذه، هم لا يستهدفونه مقامًا أو شخصًا، بل يحزنهم أن يكون الاسم الكبير، مكرم محمد أحمد، عليهم وليس بين صفوفهم، فى مكانه الطبيعى رفضًا لأية عقوبات مضافة على عقوبات ارتضى عليها القوم طوال عقود مضت كان الأستاذ العميد فارسها النبيل.