أطلقت قطر يد إيران فى حقل الغاز البحرى المشترك بينهما فى منطقة الخليج العربى، ودخل التنافس بين البلدين فى إنتاج الغاز من الحقل إلى مرحلة جديدة فمن التعاون المشبوه إلى الخضوع القطرى للحرس الثورى الإيرانى الذى اعتزم إدخال شركاته محل الشركات الأجنبية وأبرزها "توتال" الفرنسية التى علقت عملها فى الحقل وانصاعت للعقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، ومن أجل تعويض تقليص صادرات الأخيرة من النفط جراء العقوبات، كثفت طهران من إنتاج الغاز وتطوير مراحل جديدة فى الحقل.
وأظهرت الاستراتيجية الإيرانية فى التسابق مع قطر فى إنتاج الغاز من الحقل البحرى المشترك تجاهل قطرى متعمد يراه مراقبون أنه يحمل دلالات عديدة فى مقدمتها، كونه يعد امتيازا ضمنيا مقدم من الدوحة إلى طهران ومكافئة على دعم الحرس الثورى للنظام القطرى الذى بات على شفا الانهيار على خلفية المقاطعة العربية له بسبب دعمه للإرهاب.
فضلا عن أن تكثيف إنتاج طهران من الغاز فى الحقل المشترك، يعد مساعدة قطرية إلى طهرن فى مواجهة العقوبات الأمريكية الخانقة لاقتصادها، بعد أن أشار مسئولين إلى زيادة الطلب على الغاز الإيرانى، وقال مساعد رئيس مكتب الرئيس الإيراني لشئون الإعلام برويز إسماعيلي، "قبل عدة أعوام كان إنتاج قطر للغاز من حقل بارس أكبر بكثير من إيران". وأضاف: "في ظل تدشين المراحل الأربع الجديدة من الحقل، بلغ إنتاجنا 660 مليون متر مكعب، وإنتاجهم (قطر) 575 مليون متر مكعب يوميا، هذا يعني أننا استطعنا تحقيق ذلك معا".
فى الوقت نفسه تسعى قطر لاستخدام كارت إيران والتلويح به فى وجه الرباعى العربى لاسيما الدول الخليجية التى ترغب فى عودة الدوحة إلى الصف العربى وإيقاف دعمها للإرهاب والتنظيمات المسلحة وإيواء الجماعات الارهابية، والإمعان فى استفزاز الدول العربية عبر تعزيز علاقاتها مع طهران، بدلا من الانصياع لحزمة الشروط العربية والتى كانت فى مقدمتها خفض مستوى التعاون بينها وبين إيران، الأمر الذى يشير إلى عرقلة المساعى لحلحلة الأزمة مع الرباعى العربى وإنهاء المقاطعة وتأزيم مشكلاتها مع العربى.
وفى مارس الجارى أعلن قائد مقر خاتم الأنبياء، للبناء والإعمار التابع للحرس الثورى الإيرانى، سعيد محمد، أن بلاده ستدشن، 4 مراحل تطويرية، من حقل بارس الجنوبي، أكبر حقول إنتاج الغاز في العالم، المشترك مع قطر، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية (فارس) شبه الرسمية. وتبلغ تكلفة تطوير المراحل الأربعة (13 و22 و23 و24) نحو 12 مليار دولار، مشيرا إلى أنه بتدشين هذه المراحل سترتفع طاقة الاستخراج من هذا الحقل إلى 600 مليون متر مكعب يوميا.
بينما قال وزير النفط الإيراني بيجن زنكنه، إن إنتاج بلاده من الغاز عبر حقل بارس الجنوبي المشترك مع قطر، سيبلغ 750 مليون متر مكعب خلال النصف الثاني من العام الإيراني المقبل (بدأ في 21 مارس 2019).
أين يقع حقل بارس أو حقل الشمال؟
حقل بارس هو حقل تتقاسمه إيران مع قطر فى مياه الخليج العربى، تطلق عليه إيران بارس الجنوبى ويعرف بحقل غاز الشمال فى قطر، اكتشف الحقل عام 1971 وبدأ الإنتاج في عام 1989 ويعد أكبر حقل غاز فى العالم حيث يضم 50.97 ترليون متر مكعب من الغاز. وتبلغ مساحة حقل غاز الشمال نحو 9.7 كيلومتر مربع، منها 6 آلاف كيلومتر في مياه قطر الإقليمية، و3.7 ألف في المياه الإيرانية، ويسهم الحقل البحري العملاق، بجميع إنتاج قطر من الغاز تقريبا ونحو 60% من إيرادات التصدير، وأعلنت قطر فى 2005 تعليقا مؤقتا لتطوير له ليكون أمام الدوحة وقت لدراسة أثر الزيادة السريعة في الإنتاج على المكمن.
ووفقا لتقرير لشبكة "بلومبرج الأمريكية" حول تاريخ الحقل، إنه فى العام 1971 نقبت شركة "شل" فى هذا المكان وخاب أملها، إذ لم تعثر على النفط، ولكنها عثرت على الغاز بكميات ضخمة، وقتها كانت قطر منتجا متواضعا للنفط ولها سوق طاقة محلية وإقليمية متواضعة، وخلال الثمانينيات والتسعينيات صارعت لتطوير مشروع الغاز الطبيعى المسال لتصديره إلى آسيا، لكن فى ظل الأسعار العالمية المتدنية للطاقة، استسلمت شركة "بى جى" التى كانت تخفض التكاليف وتولت "موبيل" المهمة مكانها.
ورصدت تقارير أجنبية تنافس بين البلدين على إنتاج الغاز، وقال تقرير "بلومبرج" نشر فى يوليه العام الماضى، أنه "رغم أن الخرائط القطرية، تشير إلى أن الحقل ينتهى عند حدودها، قامت إيران بالتنقيب فى قطاعها عام 1991، وتبين تدريجيا أن لديها ثلث إجمالى الاحتياطى، لكن سوء الإدارة والعقوبات والخلافات السياسية وعدم اتخاذ القرار كلها عناصر أدت لتباطؤ العمل فيه، وعندما أعلنت قطر وقفا اختياريا للعمل فى حقل الشمال، كانت هناك شكوك بأن الإيرانيين حذروا الدوحة وطالبوها بوقف المشروعات الجدية، لأنهم شعروا أنها ستجفف ما لديهم من غاز، ومنذ العام 2014 بدأت إيران العمل على التطوير فى جنوب فارس، وتوقع التقرير أنه بحلول 2020 سيتجاوز إنتاج إيران من جنوب فارس إنتاج قطر من حقل الشمال، كما سعت إيران إلى وضع مراحل تطوير لمنع تسلل الغاز الإيرانى إلى الجانب القطرى.