هذه المرة لم تحتج إسرائيل لجيشها ولعتادها، ولا أمدتها أمريكا بمدافعها وطائراتها، كان يكفى فقط (تويتة) لتصبح الجولان إسرائيلية رسمياً، إشارة واحدة من بلطجى العالم ترامب كانت كافية أن تهود القدس من قبل وتجعلها عاصمة إسرائيل الأبدية، وتغريدة على تويتر تكفى ليبدل تاريخ وحدود الوطن العربى المنكوب، بل ويزايد علينا ويستفزنا ويذكرنا بنكسة 1967 فيقول (بعد 52 عاما حان الوقت لاعتراف الولايات المتحدة الكامل بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التى لها أهمية استراتيجية وأهمية حيوية لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمى).
فهل سنقول عن هذه التغريدة إنها أيضا نكسة أم سنكون صادقين مع أنفسنا ونطلق عليها (وكسة)، النكسة هى الهزيمة ولا يوجد دولة انتصرت فى كل معاركها الحربية، بل هى مكسب وخسارة بدليل أننا استطعنا أن نلحق بهم نفس النكسة فى حرب أكتوبر 73، لكن (الوكسة) أصعب لأنها الفشل مع ضياع الأمل، هكذا تأتى معانى الكلمتين فى اللغة العربية.
وبقراءة موضوعية للواقع سنكتشف بسهولة أننا بالفعل فى (وكسة) على كل المستويات الإقليمية والعربية والعالمية والإنسانية، فمن له القدرة الآن على المطالبة بحق سوريا فى الجولان وسوريا نفسها محطمة بأيادى أبنائها ومواطنيها الذين تقسموا لعشرات المليشيات والتيارات بين شيعة وسنة وأكراد ودروز، ودخلوا فى حرب لا نهاية لها ولا منطق، وأين الوطن العربى الذى يقف لحق سوريا بعدما تكسرت أغلب بلاده وتشتت بين حروب أهلية وفتن طائفية ومذابح دينية، أين هو منها بعدما حذفتها جامعة الدول العربية وكأنها تتعامل مع أشخاص وليس مع دول.
أما العالم فتحدث ولا حرج، فالضمير العالمى اكتفى بالرفض والشجب والخطب، بينما كل القوى العظمى والصغرى اجتمعت على أرض سوريا لتتاجر فى السلاح وتجرب قدراته التدميرية على حساب الأبرياء العزل فى مذبحة لم يعرف التاريخ مثلها من قبل ولم نعرف حتى الآن حجم ضحاياها، لذلك ترامب ليس مجنونا وأرعن كما تصفه وسائل الإعلام الأوروبية ودبلوماسى الأمم المتحدة، فالجولان محتلة منذ عام 67 ولم يتحرك أحد من العالم لنجدتها وسيطرت عليها إسرائيل بشكل كامل عام 1981 وزرعتها بالعنب لتوزع نبيذ الجولان المعتق على أفخم مطاعم العالم الذى اكتفى بالشجب الدولى وبأن يطلق عليها أرض الجولان المحتلة، وترامب لم يعطهم أرضاً جديدة بل قنن لهم أرضاً بوضع اليد وأعطاهم شرعية للوجود فيها، بينما العالم لم يستطع أن يفعل شيئا ضدهم ولا ضد عدم شرعيتهم، لا فى الضفة الغربية ولا القدس ولا الجولان.
سوريا نفسها فى عز قوتها لم تستطع استرجاع هضبة الجولان التى تقدر مساحتها بـ1800 كيلو متر مربع وتسيطر إسرائيل على ثلث مساحتها، رغم أنها تبعد عن دمشق 60 كيلو متراً فقط ولها موقع استراتيجى فى غاية الأهمية لأنها المكان الوحيد المرتفع فى المنطقة ويمكن من خلالها رصد سوريا ومناطق فى فلسطين والأردن ولبنان، كما أنها مصدر أساسى للمياه العذبة فى المنطقة التى تعانى أصلا من شح كبير فى المياه.
وفشلت المفاوضات عدة مرات فى استعادة الهضبة، حتى إن بعض السياسيين كانوا يرجعون فشل تلك المفاوضات للجانب السورى واستغلال عائلة الأسد لمشكلة احتلال الجولان فى مد سيطرتهم على سوريا وإجبار الشعب السورى على قبول توريث الحكم، وما فعله ترامب لن يغير كثيراً فى الأوضاع، بل جاء الاعتراف بالجولان الإسرائيلية فى مصلحة الجميع، فستضمن نجاح نتنياهو فى الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، وتمنح ترامب قوة ودعم من اللوبى اليهودى فى أمريكا، وتعطى بشار الأسد الأسباب المعتادة للبقاء فى الحكم لتخليص سوريا من الأعداء وسيظل العالم يستمتع بالنبيذ الجولانى الفاخر الذى تنتجه إسرائيل من عنبها هناك، أما نحن فسنظل نشعر بالعجز والعار وبغصة (الوكسة).
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة