المال في يد الإنسان على سبيل الاستخلاف؛ حيث إن الملكية الحقيقية في المال لله تعالى؛ إذ يقول: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}، وقد جعله الله وسيلة لتيسير حياة الإنسان بتحقيق حاجاته، ولذا فإن تنمية المال في يد صاحبه بالتجارة ونحوها مطلوبة شرعًا، وهو ما يعني فوق زيادة غنى صاحب المال تخفيف بؤس الفقر عن الفقراء؛ حيث جعل لهم الشرع في مال الأغنياء حقًّا معلومًا؛ إذ يقول الله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، ويقول أيضًا: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
وقد ألقى الله في نفوس البشر حب المال والحرص على تنميته بالتجارة ونحوها، فإذا مات المستخلف في المال انتقل إلى ورثته؛ حيث يقسم بينهم بنظام محكم جاءت به شريعتنا السمحة حتى لا يقع خلاف في انتقال هذا المال لمستحقيه، من خلال تحديد الوارث من غير الوارث، ونصيب كل وارث، وغير ذلك من مسائل تناولناها في مقالات عدة، واليوم نتناول مسألة مهمة تتعلق بالميراث؛ حيث إن بعض الورثة في كثير من الحالات يتسببون في نماء الثروة وزيادتها في أثناء حياة المورث، ويدخل هذا النماء في ملكية المورث، ويكون نصيب هذا الوارث الذي تسبب في نماء الثروة كنصيب مساويه الذي لم يتسبب في تنمية المال، كما لو كان لرجل عدة أبناء، وكان أحدهم - وغالبًا ما يكون أكبرهم - يعمل مع والده في تجارته أو أرضه، وربما يتولى بشكل كامل تسيير التجارة أو زراعة الأرض المملوكة لوالده، ومن دخلها أو ريعها يشتري مساحات أخرى تُضم إلى ملك أبيه، في حين ينخرط باقي إخوته وأخواته في التعليم مثلًا وينفق عليهم من هذا المال، دون أن يقوموا بأي عمل يتسبب في زيادة هذا المال، بل إنهم يستهلكون قدرًا كبيرًا منه.
ومن هذه الحالات أيضًا، أن تسافر زوجة مع زوجها للعمل في الخارج، وتكون عاملة مثله، وربما في بعض الأحوال تكون ذات راتب أكبر من راتبه، أو تعمل هي ولا يعمل هو، ومع أن الأصل في مثل هذه الحال أن يكون دخلها ملكًا خالصًا لها؛ لأن الذمة المالية للمرأة في الإسلام مستقلة عن زوجها وعن أبيها أيضًا، إلا أن بعضهن لا يستخدمن هذا الحق، بل يجعلن دخلهن مختلطًا بدخل الزوج، على اعتبار أن ما يجمعه الزوجان من مال هو من أجلهما معًا ولأبنائهما من بعدهما، وهذا المال النقدي قد يصعب فيه بعد عدة شهور أو سنوات معرفة مقدار مال الزوجة الذي ضُم إلى مال الزوج؛ نظرًا لعدم حساب هذا المال قبل ضمه إلى المال المملوك للزوج، وقد تزيد الصعوبة إذا ما تحول هذا المال إلى عقارات أو أراضٍ زراعية مثلًا يشتريها الزوج بماله ومال الزوجة معًا.
ومن هذه الحالات كذلك، أن بعض الشباب يسافرون للعمل في الخارج ويرسلون بأموالهم إلى آبائهم، فيقوم الآباء بشراء عقارات أو أراضٍ زراعية ونحو ذلك بهذا المال، إلا أنهم يسجلون هذه العقارات أو الأراضي بأسمائهم لا بأسماء أبنائهم أصحاب المال، وربما يكون ذلك بقصد تبسيط الإجراءات المتبعة في مثل هذه الأمور، أو لعدم وجود أبناء غير هذا الابن، فيرى الأب أنه لا فرق بين كتابتها باسمه هو أو اسم ابنه الذي أرسل له المال؛ حيث إن هذا الابن في ظن الأب هو الوارث له بعد وفاته، غير منتبه لوجود ورثة آخرين، كالأبوين والزوجة، أو احتمال إنجاب ابن أو أكثر غير هذا الابن صاحب المال.
وفي الحالات السابقة ونحوها إذا مات المورث زوجًا أو والدًا أو غيرهما ممن اختلطت ثروته بمال آخرين من ورثته، أو كان بعض الورثة سببًا في تنمية ماله، فإن ورثته يقتسمون هذه الأموال على أنها تركته بما فيها المال المختلط، ولا يأخذ مَن تسبب في تنمية هذه الثروة - سواء كانت زوجة أو ولدًا أو غيرهما - غير نصيبه المقدر شرعًا، والأدهى من ذلك أن الابن الذي تسبب في تنمية المال قد يموت قبل مورثه، وعندئذ لا يكون أولاده من الوارثين، كما لو كان صاحب المال المختلط ابنًا مات قبل أبيه وترك أطفالًا هم أحفاد لهذا الجد، ومع وجود أبناء آخرين غير هذا الابن صاحب المال المختلط، يكون الميراث لهؤلاء الأبناء إخوة الميت، ولا ميراث لهؤلاء الأحفاد، مع أن لأبيهم مالًا مختلطًا بهذه التركة، أو تكون الزوجة التي اختلط مالها بمال زوجها ليس لها أبناء منه، في حين أن لها أبناء من زوج سابق، فالزوج الذي اختلطت أموالها بماله وماتت على فراشه هو الذي يرثها مع أولادها إن كان لها مال غير مالها الذي اختلط بثروته، في حين لا يرث أولادها من غير هذا الزوج شيئًا من تركته المختلطة بمال أمهم إذا مات؛ لأنهم ليسوا من ورثته.
ومن الأسلم في جميع الأحوال السابقة أن تبقى الذمم المالية منفصلة إن كان الدخل منفصلًا، كما في حال الزوجة العاملة أو الأبناء العاملين في الخارج، ولا تُخلط هذه الأموال بمال الزوج أو الأب ما لم يكن هناك نية لتمليكها عن طيب نفس لمن اختلطت بماله، متى لم يكن هناك ورثة تتعلق حقوقهم بالمال، فإذا كان هناك ورثة فلا يصح عندئذ تمليك المال للغير؛ لما في ذلك من إضرار بالورثة، كالزوجة العاملة إن كان لها ورثة غير زوجها كأبناء من زوج سابق أو والديها، فلا تملك عندئذ حق تمليك مالها لزوجها، وكذا الابن الذي يعمل في الخارج مثلًا إن كان له أبناء، فلا يحق له تمليك ماله لوالده؛ لما في ذلك من الإضرار بأبنائه إن مات قبل أبيه وكان هناك ورثة غيره.
فإن اختلطت الأموال، فمن الواجب تقديرها اجتهادًا قبل قسمة التركة ودفعها لصاحبها قبل أن يأخذ نصيبه من التركة، فإن كانت هذه الأموال المختلطة نتيجة عمل بالتجارة ونحوها في مال الأب مثلًا، فعلى الإخوة الذين سيرثون مع مَن تسبب في تنمية المال حث أبيهم على تعويض أخيهم عن ذلك إن كان الأب على قيد الحياة، وإن مات الأب كان عليهم تعويضه إضافة إلى نصيبه المستحق في تركة أبيه، ليبقى الود موصولًا بينهم وبين أخيهم الذي ربما لولا اجتهاده وعمله الدءوب ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من حمل شهادات عالية أو شغل مناصب مرموقة، في حين بقي هو من دون تعليم أو حظي بالقليل منه، وانشغل بالعمل في مال والده وتنميته من أجل إعانته على نفقة إخوته وأخواته.