أخشى إجهاض قرار الرئيس بإصلاح هيكل الأجور فى مجلس النواب بمزايدات لا تلمس واقعًا معيشيًا يعانيه الشعب، وواقعًا اقتصاديًا صعباً تعيشه الحكومة، التوازن المرغوب مطلوب، الناس فى الشارع تعشم خيرًا فى قرار الرئيس، وعمها التفاؤل والحبور، وتنتظر أخبارًا سارة، صبرت طويلا، إذا كان الصبر مُرًّا فعاقِبته حُلوة، هكذا يصبرون على أمل، والصبر مفتاح الفرج.
المزايدات البرلمانية على قرار الرئيس، أخشى أن تنتهى إلى ما لا يشبع ولا يغنى من جوع إلى نقلة حقيقية فى الأجور، ما طلبه الرئيس، كما فهمته، واستقر فى أعماق المجتمع، أن هناك زيادات مناسبة فى الأجور تواجه الزيادات الأخيرة فى الأسعار، أن ترتفع الأجور فى مقابل التضخم، أن يشعر الناس بأن ما قرره الرئيس يحول إلى مرتب جيد يقبضونه آخر كل شهر فيلبى مطالب المعيشة، يفك الضيقة، والخنقة، ويحسن الحال والأحوال.
الرئيس قرر ما يراه مناسبًا وبإرادة سياسية نافذة، تعتبر لصبر المصريين الذين امتن لهم الرئيس كثيرا، وحان وقت تمتين الامتنان بإجراءات اقتصادية رحيمة، قررها الرئيس فى ثلاثة قرارات، استقبلها الشارع بترحاب وحمد وشكر، إقرار حكم القضاء فى علاوات المعاشات، وسداد مستحقات المعاشات لدى الحكومة سنويًا بـ«جعل» مخصص فى الموازنة العامة يعتمده مجلس النواب وتلزم به الحكومة، والثالث إصلاح هيكل الأجور.
ثلاثة قرارات يشكر عليها الرئيس، وتنفيذها الأمين وبشفافية يخلق ارتياحا معيشيا كان منتظرًا، فإذا دخلت هذه القرارات على ماكينة التشريع البرلمانية يستوجب استبطان رسالة الرئيس الكامنة فى قراراته الثلاثة، والعمل على تجسيدها لصالح الناس، وليس تشهيلها فحسب لصالح الحكومة، لستم أرحم على الحكومة من الرئيس، ولستم ضد الشارع، ولا تزايدوا على الحكومة والرئيس، الناس هى من رسمتكم نوابا، ورسمت غيركم وزراء، والنواب والوزراء مكلفون تكليفًا رئاسيًا بالتنفيذ الأمين لقرارات الرئيس، ليس الالتفاف عليها أو التحايل على مخصصاتها، أو إفراغها من مضمونها فى مزايدات شعوبية.
هذا قرار مهم وخطير، وأعلم علم اليقين أن ما سيخرج من مجلس النواب باتفاق مع وزارة المالية سيخضع لمراجعة الرئيس، وسيعيده الرئيس إليهم مجددا إذا لم يلب ما استبطنه الرئيس من قرارات لصالح هذا الشعب الصابر، وفعلها الرئيس سابقا فى قوانين اشتط فيها البرلمان تشريعا، فأعادها الرئيس لمزيد من التجويد لصالح الناس.
وزير المالية، الدكتور محمد معيط، كان الله فى عونه، سيجتهد فى تدبير كلفة هذه القرارات جميعًا، وأعلم تمامًا أنه يصل الليل بالنهار لبحث خيارات، وتدبير اعتمادات، وأمامه خيارات، مثل زيادة الحد الأدنى للأجور عن 1200 جنيه، كما تقرر سابقا، ولكن هذا لا يلبى كل الطموح، والسؤال وماذا عن كامل هيكل الأجور، وكيف سيتم تعلية استحقاقات الدرجات الوظيفية، وكيف يعكس الحد الأدنى بالزيادة آثاره على بقية درجات السلم الوظيفى صعودا.
الاختلالات فى هيكل الأجور حولته إلى سيرك عجيب وغريب، ويقينا مرض موروث، وعلاج الموروثات كعلاج الأمراض المتوطنة تحتاج مالا ووقتا وقبل هذا صبرا، أقله مضاعفة العلاوات الدورية، التى تحل فى الشهور القليلة المقبلة، هذا أثره وقتى ومطلوب إلى حين الانتهاء من كامل التشخيص لعلاج الاختلالات جذريا، وتضييق الفجوة بين القوانين الوظيفية التى تنتج هذه الاختلالات فى الرواتب لنفس الوظائف، وهذا حادث ومعلوم للجميع، وجسدته الأغنية الشهيرة تفكها «مربوط على الدرجة التالتة.. والناس درجات».