يوميا يتم إنتاج شائعات من كل لون وشكل، بعضها بلا أصل ومع هذا تجد من يصدقها ويعيد نشرها، بل يبنى عليها تحليلات عميقة وتخريجات مثيرة، وأحدث تجربة عملية فى صناعة الشائعات قدمها شاب على تويتر اخترع شائعة ونشرها، وياللعجب تحولت إلى خبر فى مواقع وقنوات، التجربة كاشفة عن طريقة تفكير أصبحت أقرب للمرض.
خلال الأيام الأخيرة انتشرت على «فيس بوك» و«تويتر» أسماء مرشحة لتولى وزارة النقل من دون مصدر رسمى واحد.. الأسماء ترددت وتم تناقلها عبر مئات الحسابات الفيسبوكية والتويترية، ونشرتها مواقع، والتقطها معدون فى برامج أعادوا ترديدها، وهنا حدث ما يسمى «بتوثيق الكذب» وهو أمر معروف حتى قبل ظهور «فيس بوك»، وهو اسم أطلقته عام 2003، كانت تتم بالبريد الإلكترونى أو المجموعات البريدية. شائعة تصل إلى موقع أو حساب مشهور، ويصبح الكذب موثقا. وهو ما حدث خلال ترديد أسماء وترشيحها للوزارة، بل إن بعض القنوات، بحسن نية أو سوئها، لم تكتف بنشر الأسماء، لكن استضافت خبراء يحللون الحدث بكل جدية.
ولم يفكر أى منهم فى البحث أو السؤال ليعرف الموضوع. المفارقة الكبرى أن بوستا انتشر على «فيس بوك» و«تويتر»، وانتقل إلى بعض المواقع ثم إلى شاشات البرامج المسائية يقول: «كشفت مصادر مطلعة، اختيار المهندس محمد وجيه عبدالعزيز وزيرًا للنقل والمواصلات.. جدير بالذكر أن المهندس محمد وجيه عبدالعزيز، هو صاحب إنشاء جميع محطات وأنفاق السكة الحديد المطورة بفرنسا، وصاحب الطفرة فى السكك الحديدية التى حدثت بالسويد على مدى الـ18 سنة الماضية، وحاصل على الأوسمة العليا».
هذا الخبر تناقلته الحسابات، ووصل إلى بعض المواقع، ثم إلى معدى البرامج، وردده مذيعون كبار، والحقيقة أن هذا الخبر لا أساس له ومجرد اختراع.
والحقيقة أن شابا أراد أن يكشف صناعة الشائعات وإنتاجها فأجرى تجربة، الشاب اسمه خالد وجيه وحسابه على تويتر «خالد عنخ آمون الأول».. يحكى القصة كاملة: «إمبارح من خنقتى من كتر الشائعات كتبت تويته أن الدكتور مهندس محمد وجيه عبدالعزيز مرشح قوى لوزارة النقل والمواصلات، وقلت إنه عالم كبير فى المجال ده من 18 سنة فى أوروبا وخصوصا فرنسا والسويد واخد أوسمه من فرنسا»، ويضيف أنه ترك التويتة لمدة ساعة و13 دقيقة ثم حذفها. لكنه بعد ساعه ونص بدأت تتنشر كوبى بيست على تويتر، وكل واحد كتبها عرفها من مصادره الموثوقة وأخذ السبق فيها.. كوبى بيست للتويتة 183 مرة، و8 مواقع إخباريه كتبتها على أنها خبر موثوق فيه، وبرنامجان مهمان، وحوالى 9 صحفيين على «تويتر» كتبوا الخبر نقلا عن مصادر خاصه ومصادر موثوق فيها ومصادر من داخل وزارة النقل.
ويتساءل خالد: الكارثه فين؟.. ويجيب: «دى تويتة من تأليفى، ومحمد وجيه عبدالعزيز يبقى الله يرحمه أبويا اللى توفى من 11 سنة وماكانش مهندس ولا خبير سكك حديد».. ويختم: «حبيت أثبت لكل الناس أن تويتر مركز قوى للشائعات».. ويضيف: «أى حد بتويتة هايفة ممكن يقلب الدنيا إشاعات وللأسف تلاقى ناس مصدقاه».
التجربة التى قدمها خالد وجيه تكشف طريقة إنتاج ونشر آلاف الشائعات التى تجد من يصدقها ويحللها ويبنى عليها.
وبالطبع يستحق خالد وجيه الشكر على التجربة التى تثبت الكثير فيما يتعلق بما يسمى الرأى العام، شخصيا تلقيت اتصالات من بعض القنوات للتعليق على هذه الترشيحات، وكان ردى أننى ليس لدى معلومات، وأن ما ينشر مجرد كلام، فيرد: ولكن فلان وفلان أعلنوها فى برامجهم.
وربما لا نلوم المستخدم العادى الذى وقع ضحية لأخبار نقلها من يدعون العلم والاتصال بالمصادر، وهم مجرد ناقلين من بحر الإنترنت من دون جهد للبحث، وبالرغم من درس الأستاذ خالد وجيه، علينا أن نتوقع استمرار صناعة ونشر الشائعات والاستسهال فى النقل وإعادة النشر، وكيف تلعب الشائعات أدوارا أخطر من الأخبار الحقيقية.