ما أجمل هذا الوجه المعطر برائحة الإنجاز
مبهجة ويافعة، واثقة من حلمها، ومستعدة لدفع ثمن تألقها، تغيب عن أهلها بالأشهر، تنام بميعاد وتصحو بميعاد، تتدرب وتعمل، تجتهد لتصبح الأفضل، تؤمن بقضاء الله وقدره، وتؤمن أيضا بأن من حق كل إنسان أن يسهم فى صناعة أقداره، هى نور الشربينى التى حصدت مؤخرًا كأس العالم فى الإسكواش، والتى أثبتت بتألقها أن مصر مازالت قادرة على صناعة الأمل، وأن الروح المصرية اليافعة قادرة على هزيمة اليأس وتخطى عقبات الاضطراب، إذا ما امتزج العمل بالعلم، والاجتهاد بالحلم، والإصرار بالتفانى.
تعلمنا «نور» ألا نكتفى بأن ننظر إلى الظاهر فحسب، فمن يرى «نور» ويعرف أن عمرها 21 عامًا فحسب تصيبه الدهشة، لكن هذه الدهشة ربما تتلاشى أو تتضاعف لو عرف أن ما يقرب من نصف هذا العمر ذهب فى التدريبات، تترك قريناتها لتذهب إلى الملعب، تصحو من نومها لتفكر فى تكنيك جديد، تخاطب أصدقاءها المسافرين لكى يحضروا لها بعض أدوات التدريب غير المتوافرة، فى حين أن البنات فى مثل عمرها يقضين نصف أعمارهن فى التفاهات، ويستسلمن إلى أول عقبة تقف فى طريقهن.
وجهها وجه امرأة مصرية بحق، ملامحها تؤكد أن هذا البلد قادر على صنع الدهشة، وأن جمال الوجه مقرون بجمال الروح، وأن الأنوثة الحقيقية لا تختفى أمام الجدية والكد، انظر إلى وجهها لتمتزج فى عينيك ملامح اللاعب مع ملامح المحارب، ثم انظر إلى وجهها وهى تحمل كأس بطولة العالم للسيدات لتعرف أن للانتصار طعمًا لا يشابهه شىء.
فى الملعب، تتحجر عيناها، ينطلق شعرها، تتشنج عضلاتها، تتسارع أنفاسها، يتحول جسدها كله إلى آلة تستجيب لأوامرها، تلهث، تتعثر، تقفز، تجرى، تنطلق، تتحين الفرص، تنتهز عثرات الخصم، تكر وتفر، تفعل، وتنتظر رد الفعل، تنطلق كالسهم، وتصوب كالقناصة، تشحن وجدانها بصرخات المتابعين، تنطلق الآهات من قلوب المشاهدين.
تتقافز علامات التعجب، كيف لمن فى مثل عمرها أن تفعل مثلما تفعل؟ كيف لهذا البلد الذى يعانى منذ سنوات بعيدة أن يخرج مثل هذه الموهبة الفذة؟ كيف لم يرهبها الجمهور، كيف لم يرهبها مستوى اللاعبات اللاتى ينافسنها؟ كيف تنطلق فلا يوقفها أحد، وكيف تنظر فلا يستطيع أحد أن ينحى عينها عما تنظر إليه؟ وكيف تربعت على عرش هذه اللعبة لتحفر لنفسها ولبلدها مكانا مميزا، وتتحول إلى رقم قياسى عالمى جديد بأن تصبح أصغر بطلة عالم فى العالم؟
ابنة الإسكندرية، ابنة البحر والموج، ابنة الروح الجامحة والعنفوان الناعم، ابنة الهواء المشبع بالحضارة، والماء العامر بالحياة، ابنة المدينة التى اعتادت على قهر الصعاب حتى صارت المعجزات بالنسبة لها «عادية»، ابنة المدينة التى تربى الأمل على مقربة من البيت، وتزرع الحلم فى كل عين، ابنة المدينة التى تنظر إلى الموج وتعرف أن للبحر شاطئا آخر لكنه غير ظاهر للعيان، فيتوغل الشعور باللامرئى فى وجدان أبنائها ويصبح الحلم لديهم حقيقة.
نشر هذا المقال فى الاثنين، 2 مايو 2016 وأعيد نشره بمناسبة حصولها على بطولة العالم مرة أخرى متمنيًا دوام الإنجاز.