إذا الشعب يومًا أراد الحياة، وهل يشك أحد فى أن الشعب المصرى يريد الحياة بل يتمسك بها، شعب محب للحياة، عاشق للكفاح، مؤمن بالتضحيات، قادر على التحمل والصبر، متطلع للمستقبل، لا ينسى الموت بل يراه حقًا، ربما أكثر من يحترم الموت ويقدس طقوسه فى العالم هو المصرى.
الفراعنة عاشوا بالموت مثلما خلدوا بالإنجازات، لكن الموت أبدا لا يبعد المصرى عن الحياة التى يبدع فى حبها، مقولته التى لا يكف عن ترديدها، اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، وبنفس لقدر لا ينسى، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا، هو لا ينكر الموت ولا يخاف منه، لكنه يراه قدر لا يعلم موعده إلا الله، يأتى وقتما يأتى لا مفر منه، وحتى يأتى فلا مانع أن يستمتع بحياته، ولكل مصرى فى حب الحياة طريقته الخاصة، لا فرق بين غنى وفقير، صحيح ومريض، فى عز الألم يتحدث المصرى عن الحياة ويخطط لسنوات قادمة، لأن مبدأه أن الأعمار بيد الله، وبعضنا يتباهى بعمر أجداده الذين عمروا فى الأرض، ألم تسمع كثيرا مقولة «جدى عدى المية» وعبارة «إحنا عيلة معمرة» ومن العيلة إلى الوطن، فنحن شعب معمر إن لم يكن بالعمر فبالذكرى الطيبة، ليس فى العالم كله شعب يحرص على الذكرى الطيبة التى تعيش من بعده مثل المصرى، ومن الذكرى الطيبة أن يراك الناس بطلا أو يذكروك وطنيا أو يتباهى بك أهلك كريما مخلصا، يموت الإنسان وتبقى ذكراه حية لا تموت، وتلك أيضا صيغة مصرية تترجم حب الحياة.
حتى فى الحب يراه المصرى نوعًا من الحياة، ويتلذذ بترديد «أهل الحب أحياء».. وفى حبه لوطنه يرى المصرى معنى الحياة.. ويتغنى بها.. أموت أموت بس بلدى تعيش.. لو مت يا أمى متبكيش.. راح أموت علشان بلدى تعيش.. افرحى يا أمى وزفينى.. وفى يوم النصر افتكرينى.
المؤكد أن من كان هكذا محبا للحياة لا يمكن أن تكسره بالموت، فذكر الموت عنده يزيده صلابة، وحتى فى الموت يبحث المصرى دومًا عن موتة الشهادة، ويقبل عليها بجسارة لا تراها عند غيره، لأنه يدافع عن حقه فى الحياة، إن عاش فليعش بطلا.. وإن مات فهو شهيد، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ولهذا سيظل المصرى عصى على أن يرهبه أحد بسلاح الموت، أيا كان نوعه، تفجيرًا أو اغتيالا، فهو لا يرى الإرهابى أصلا سوى شخص جبان لا يستحق منه إلا الاحتقار، أما الشهيد فمن حقه الفرحة ومن حق أهله أن يزفوه إلى حياته الباقية، زغاريد أمهات الشهداء التى سمعناها كثيرًا تؤكد أنهم لا يرونهم أموات بل هم أحياء.
إرادة الحياة عند المصرى بارزة، لا تفارقه أبدًا بل تختلط بدمائه، يواجه بها مصاعب المعيشة التى يسميها أيضًا حياة، ويحطم بها المحن التى تعترض طريقه ويقتل بها أعداءه، وعلى مر التاريخ قتل المصريون كل من أرادوا بهم شرا بسر حب الحياة، وعندما انتفضوا على قلب رجل واحد ضد حكم الجماعة الإرهابية كانت انتفاضة حياة، ضد جماعة كانت تريد أن تموتنا بالحياة، وحبا فى هذه الحياة.
وإيمانًا بأن الروح حية لا يقبضها إلا خالقها لا يقبل المصرى الخنوع لأحد ولا يسمح بالمهانة لنفسه أو العيش تحت وطأة الخوف أو كسرة النفس، فكرامته هى حياته، ومن يمسها وجب موته، ومن احترمها نال حب المصرى، ومن أحبه المصرى لا يتردد أن يفديه بأغلى ما يملك، وهى حياته، ولأن الإخوانى أراد أن يمس كرامة المصرى فموته كان أمر لا راد له، وموت الإخوان أن تخلعهم من حكم مصر، حكم عليهم الشعب أن يموتوا أحياءً، فماتوا، ومهما حاولوا أن يعودوا فلن يهبهم المصرى الحياة مرة أخرى، فحكم الإعدام الذى يصدره المصرى على عدوه لا نقض فيه ولا إبرام، نافذ من ساعته وتاريخه مهما حاولوا إرهابه.
وفى المقابل ولأن الجيش حمى كرامة المصريين والشرطة دافعت عن حقهم فى الحياة، فلا يرفض المصرى أن يهبهم حياته، مثلما لا يتردد أن يحمى رئيسه ويقف خلفه حتى ولو كان الثمن حياته لأنه حمى كرامته.