الإنسان، منذ قديم الأزل، يعرف أن للخلود طرق شتى أبرزها الإبداع، وعلى رأسه الشعر، وعبد الرحمن الأبنودى الذى تمر اليوم ذكرى ميلاده فى أبريل 1938، واحد من الذين خلدوا أسماءهم بالقصيدة، وستمر سنوات طويلة، بينما يظل الإنسان العربى، خاصة الصعيدى، حافظا وتاليا لقصائد الأبنودى.
فى 1975 وقف السادات يفتتح قناة السويس، والتى كانت مغلقة لفترة طويلة قاربت الـ10 سنوات بسبب الحرب، وشاهد عددًا من الفلاحين يعملون بالقرب من الشاطئ، فسأل من كانوا معه "مش دول بتوع عبد الرحمن الأبنودى بتوع وجوه ع الشط؟"، قال ذلك لأنه بعد نكسة 1967 بينما كان الناس يفرون من الشرق من مدن القناة كان عبد الرحمن الأبنودى يتجه إلى هناك ليعيش مع المرابطين الذين رفضوا أن يفرطوا فى أرضهم، وانتظروا حكمة ربهم التى تلقاها الأبنودى معهم "أموت ولا أسيبش البيت.. أتشرد فين؟/ وأخبط على باب مين".
كان الأبنودى يملك مشروعًا مهمًا له وجهان، أحدهما خاص والآخر عام، أما الخاص فهو مشاركته فى كل القضايا الكبرى التى أصابت مصر والعالم العربى، وانتماؤه لجانب الشعب يتحدث باسمه، ويدافع عن قضاياه، ولعل قصيدته "الأحزان العادية" أكبر دليل على ذلك، فما زال الناس - رغم كونها مكتوبة 1981 - يرونها مناسبة حتى الآن لكل ما يستجد على أرض الوطن من اختلاف بين الشعب والأنظمة، أما المشروع العام فهو جمعه للسيرة الهلالية، وتقديمها فى الإذاعة المصرية، ما سمح لكثير من قطاعات الشعب المصرى التعرف على شخص عبد الرحمن الأبنودى بصفته راويًا للسيرة، وبذلك أضاف الأبنودى قطاعًا جديدًا من الناس لا يعرفون القصيدة المكتوبة، لكنهم يعرفون السماع.
تحقق لعبد الرحمن الأبنودى كل ما يصبو إليه فى الشعر، كان له صوته الخاص وقاموسه الخاصة وحسه بالأشياء المحتلف، وذلك أمر ضرورى لكل من يسعى لتأكيد موهبته، ومع الوقت تحول الأبنودى إلى جزء من العقلية المصرية، صار حاميها والمعبر عنها، يكتب القصيدة فيجد الكثيرون أنفسهم فيها " قلت له لأ يا بيه/ أنا آسف/ بلدى بربيع وصباح/ ولسه فى صوتى هديل الينابيع/ لسه فى قلبى صهيل المصباح/ لسه العالم حيى رايح جى/ بيفرق بين الدكنه وبين الضى/ بلدى مهما تتضيع مش حتضيع/ ما ضايع الا ميدان وسيع/ يساع خيول الجميع/ يقدم المقدام/ ويفرسن الفارس/ ويترك الشجاعه للشجيع/ ولا باعرف ابكى صحابى غير فى الليل/ انا اللى واخد على القمر/ ومكلمه أطنان من الشهور/ وعلى النظر من خلف كوة فى سور/ واللى قتلنى ما ظهر له دليل".