أوروبا بالطبع متداخلة ومتقاطعة مع ما يجرى فى الشرق الأوسط، وعيونهم على ما يجرى فى ليبيا أو السودان، سوريا واليمن والعراق والجزائر، لكن هذا كله من باب المصالح، وحسب المصالح المحتملة تكون التحركات. هناك صراع داخل أعضاء الاتحاد الأوروبى حول ليبيا، إيطاليا وفرنسا تتنافسان على النفوذ، وبريطانيا تدعم حلفاءها فى ليبيا.
الاهتمام الأوروبى بالشرق الأوسط يقلل منه الانشغال الأوروبى بما يجرى داخل القارة والتهديدات التى تواجه الاتحاد بالخروج البريطانى بريكست. بعد رفض البرلمان البريطانى لاتفاق تريزا ماى بالخروج، ثم رفض سحب الثقة أكثر من مرة، وبدا الأمر أقرب لخروج من دون اتفاق. لولا موافقة الاتحاد الأوروبى على تأجيل خروج بريطانيا من الاتحاد حتى نهاية أكتوبر على أن تجرى مراجعة فى يونيو.
التأجيل يرحل الارتباك لكنه لاينهى تأثيرات التصويت على البريكست من قبل البريطانيين، وقد فشلت اقتراحات بإعادة الاستفتاء مرة أخرى. لكن تظل السياسة قادرة على معالجة المشكلات والأزمات، فى أوروبا والعالم المتقدم حيث يأخذ شكل الصراع السياسى والاقتصادى والتجارى، بينما يظل الحسم للحرب بالسلاح فى الشرق الأوسط والعالم العربى والإسلامى. وتطل المخاوف وتذهب الصراعات دائمًا إلى الخيارات الصفرية التى تنتج المزيد من الاستنزاف والأزمات والتراكمات.
وبالطبع فإن البريطانيين والأوروبيين سوف يجدون طريقًا لمعالجة تداعيات استفتاء البريكست، بينما تظل السياسة بعيدة عن السياقات الصدامية فى منطقة الشرق الأوسط التعيس.
تنشغل أوروبا أكثر بالخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى، والمنافسة التجارية بين أمريكا والصين أو بين أوروبا وأمريكا، أو بين الولايات المتحدة وروسيا، لكنها خلافات تنتهى بمفاوضات أو تنازلات متبادلة. وحتى التبشير بالعوالمة الذى انطلق منذ تسعينيات القرن العشرين، والذى دافع عنه الأوربيون والأمريكيون، انتهى إلى شكل آخر من الصراع البارد، بعد تفوق الصين، وحتى بين أوروبا وحلفائها أو بين أوروبا وبعضها وهو ما انعكس فى خلافات أوروبية أمريكية على خلفية فرض رسوم على صادرات أوروبا للولايات المتحدة، أما داخل أوروبا فإن البريكست يمثل أحد أهم تحديات تواجه الاتحاد وتكشف عن خلافات تتجاوز الشكل إلى الصراعات، التى تعكس أحيانًا مشاعر قديمة ومنافسات ماتزال تطل من التاريخ للحاضر.
لم يتغير العالم كثيرًا،ـ تحكمه المصالح والصراعات، فماتزال دول أوروبا وأمريكا تواصل إنتاج السلاح والخوف لتبيعه إلى نقاط الصراع، بينما تحاول حل خلافاتها بالتفاوض والسياسة.
وحتى العولمة التى بشرت بحرية انتقال السلع والخدمات، وإسقاط هذه الحدود وفتح مجالات التجارة الدولية وإنهاء الرسوم الجمركية، وبشرت أوروبا بقيام الاتحاد الأوروبى، عام 1992 ليكون أكبر تجمع للدول الصناعية الكبرى، كل هذا بدا علامات قوية، لكنه مع الوقت كشف عن شروخ بعضها حديث والآخر تاريخى. أولها تصويت البريطانيين فى 23 يونيو 2016 على الخروج من الاتحاد ليكون أول إجراء ديموقراطى يصيب المملكة المتحدة بارتباك ومعها أوروبا. وما يزال هذا الارتباط مستمرًا، لكنه يخضع لمناقشات وجدل وتفاوض، بحثًا عن مخرج. وهو طريق لإدارة الصراع والمصالح، يتناقض مع ما تصدره الدول الكبرى فى إدارة صراعات الشرق الأوسط حيث تغذى خوفًا وسلاحًا أكثر مما تبحث عن حل سياسى.