يتصور الكثيرون أن رجال الأعمال ولدوا وفى فمهم معلقة ذهب أو كونوا ثرواتهم الضخمة بـ«الفهلوة»، غير أنه بالعودة لبدايات مسيرة رجال البيزنس تكتشف قصصاً لرحلات كفاح ونجاح تستحق الكتابة عنها، ونرصد فى السطور التالية نماذج لتلك الشخصيات.
أنسى ساويرس.. أنسى ساويرس هو المؤسس لواحدة من كبرى عائلات البيزنس فى مصر، يكفى أن أبناءه الثلاثة ضمن قائمة أغنى 10 رجال أعمال فى مصر وفى ترتيب متقدم، ولكن بالعودة لتاريخ مؤسس عائلة المليارديرات تكتشف قصة كفاح بتفاصيل مثيرة.
لم يعجب أنسى اختيار والده الدراسة بكلية الزراعة، لإدارة 50 فدانا كونهم من عمله بالمحاماة، وذلك لقناعته بعد تجربة عامين أن الأرض لمن يزرعها ويعيش فيها وليس مهندسا زراعيا يشرف عليها، ليختار أنسى الاستثمار بنشاط المقاولات الذى ارتبط به خلال تجربة بناء والده عمارة بمدينة سوهاج، ويؤسس شركة صغيرة بمحافظته سوهاج، ويفوز بعملية حفر آبار ارتوازية بـ18 مدينة بالصعيد، لتكون أول صفقة فى تاريخ إمبراطورية آل ساويرس.
ويحكى أنسى فى فيديو عرض خلال إحدى الاحتفاليات، أنه عشق قطاع المقاولات بعدما وجد فيه فرصا استثمارية وربحية جيدة، ونجح فى إنشاء شركة كبرى وضم لها شركاء آخرين.. وكالعادة ليست كل قصص النجاح تسير بدون «مطبات»، إذ واجه مؤسس عائلة ساويرس عام 1961 قراراً بتأميم شركته ليعود مرة أخرى للمربع صفر.
وبعد 5 سنوات من مشاكل وصدمات قرار التأميم، بدأ أنسى رحلة نجاح مرة ثانية من ليبيا التى عاش فيها 12 عاماً بعيداً عن أبنائه لعدم وجود مدارس هناك، وأسس هناك شركة مقاولات ضخمة، ولكن حبه لوطنه وبدء عصر الانفتاح دفعه للعودة مرة أخرى، ليواصل مسيرة النجاح داخليا تحت مسمى شركة أوراسكوم للمقاولات العامة والتجارة، التى أصبحت من كبرى شركات المقاولات فى مصر، بل أضاف لها أيضا ذراعا صناعية، وفى الوقت نفسه استثمر أنسى فى أبنائه الثلاثة نجيب وسميح وناصف، على الترتيب، إذ ألحقهم للدراسة فى كبرى الجامعات فى أوروبا، قبل أن يمنحهم فرصة لاستكمال مسيرة النجاح دون التقيد بنشاط بعينه، ليختار الابن الأكبر نجيب قطاع الاتصالات، ويشق سميح طريقه فى قطاع السياحة، وأكمل الصغير ناصف مسيرته والده فى التشييد داخل وخارج مصر، وأضاف له الاستثمار بمواد البناء.
ووفقا لقائمة فوربس للأثرياء العرب عام 2018، يحتل ناصف ساويرس المركز الأول بثروة تبلغ 6.6 مليار دولار، ويحل شقيقه نجيب فى المركز الخامس بثروة تبلغ 4 مليارات دولار.
محمود العربى.. «بدا لى مشوار حياتى فى كثير من الأحيان كطريق مليئا بالضباب تعتريه العقبات والحواجز، وتحيط به الأخطار.. لولا أن الله تعالى قد أنار لى جوانب عديدة من ذلك الطريق، ما استطعنا أن نستنهض الهمة من داخلنا، ومن داخل كل من شاركنا طريقنا الطويل، لنصنع معا ذلك الصرح الذى أقمناه».. هذا الجزء من مقدمة كتاب «سر حياتى» الذى يروى السيرة الذاتية لرجل الأعمال إبراهيم العربى يلخص أسرار توليفة نجاحه وهى الإيمان بالله وحب العمل الجماعى.
محمود العربى أو كما يناديه المقربون منه الحاج محمود، هو النموذج المثالى لرحلة الرجل العصامى الذى بدأ من الصفر ببيع لعب الأطفال لأقرانه بقرية أبو رقبة، بمركز أشمون فى محافظة المنوفية حتى تجاوزت مبيعات مجموعته حالياً أكثر من 10 مليارات جنيه سنوياً، وداخل هذه الرحلة تفاصيل مثيرة تكشف عن موهبة فطرية له فى التجارة.
ويحكى العربى، خلال لقاء جمعه بمجلس إدارة جمعية رجال الأعمال المصريين قائلا: كنت بوفر مبلغ 30 أو 40 قرشاً سنوياً أعطيها لأخى لكى يأتى لى ببضاعة من القاهرة قبل عيد الفطر، وكانت هذه البضاعة عبارة عن لعب أطفال وبالونات، وكنت أفترشها على المصطبة أمام منزلنا لأبيعها لأقرانى وأكسب فيها حوالى 15 قرشا، وبعد ذلك أعطى كل ما جمعته لأخى ليأتى لى ببضاعة مشابهة فى عيد الأضحى، وبقيت على هذا المنوال حتى بلغت العاشرة».
ويضيف: «بدأت فعليا العمل بعدما اقترح أخى الأكبر على والدى أن أسافر إلى القاهرة للعمل بمصنع روائح وعطور، وكان ذلك فى عام 1942، وعملت به لمدة شهر واحد وتركته، لأنى لا أحب الأماكن المغلقة والعمل الروتينى، ثم انتقلت للعمل بإحدى المحلات بحى الحسين براتب 120 قرشا فى الشهر، واستمريت فى هذا المحل 7 سنوات حتى وصل راتبى إلى 320 قرشاً، ويتابع: رغم عرض صاحب المحل أن أستمر مع زيادة مرتبى، إلا أننى فضلت الانتقال للعمل فى «محل جملة» بدلا من المحل «القطاعى» لتنمية خبرتى بالتجارة، وكان أول راتب فى المحل الجديد 4 جنيهات وعمل فيه لمدة 15 عاما حتى وصل راتبه إلى 27 جنيها، وكان مبلغا كبيرا تمكن من دفع تكاليف الزواج.
واستطرد: وبعد فترة أداء الخدمة العسكرية، بدأ العربى التفكير للاستقلال بنفسه فى التجارة، لكن لم يكن لديه ما يبدأ به، ففكر هو وزميل له بنفس العمل، أن يتشاركا مع شخص ثرى، على أن تكون مساهمته هو وصاحبه بمجهودهما، بينما يساهم الطرف الثانى بأمواله، وكان رأس مال المشروع 5 آلاف جنيه، وهكذا أصبح لديه أول محل بمنطقة الموسكى بالقاهرة، والذى مازال محتفظا به حتى الآن.
ولأن محمود العربى، تاجر بالفطرة يعرف ما يريده السوق، حول تجارته من الأدوات المكتبية والمدرسية، بعدما قررت الحكومة فى الستينات صرف المستلزمات المدرسية للتلاميذ بالمجان، إلى تجارة الأجهزة الكهربية، وبدأ العربى فى منتصف السبعينيات مع انطلاق سياسة الانفتاح الاقتصادى، التفكير فى الحصول على توكيل لإحدى الشركات العالمية، وبالفعل زار العربى اليابان، منتصف السبعينيات، وطلب الحصول على توكيل من مصانع توشيبا العالمية.
ولم يكتف الحاج محمود بتوكيل توشيبا، ولكن نجح فى إقناع اليابانيين فى إنشاء مصنع لتصنيع الأجهزة الكهربائية فى مصر على أن يكون المكون المحلى من الإنتاج 40% رفعت لاحقا إلى 60% ثم 65% حتى وصلت إلى 95%، ومع تطور الإنتاج أنشأ شركة توشيبا العربى عام 1978، على أرض زراعية يملكها على طريق القاهرة الإسكندرية الزراعى، قبل أن يتوسع بعد ذلك وينشأ عدة مصانع فى المنطقة الصناعية بقويسنا، وحالياً ينشئ مجمع صناعى ضخم فى بنى سويف باستثمارات تصل إلى 3.4 مليار جنيه.
ورغم التاريخ الطويل لمحمود العربى، إلا أن حلمه مازال ثابتا وهو زيادة عدد العاملين فى مصانعه، ويقول عن هذا الحلم قائلا: بدأت تجارتى الخاصة عام 1964 وكان معايا عامل واحد يشتغل، وتمنيت أنهم يبقوا 10 وبعد كدا تمنيت يوصلوا 100 عامل، وفى عام 2000 وصلوا إلى 2000 عامل، وكل سنة بنزيد ألف عامل، وإن شاء الله فى 2020 هنبقى 40 ألف عامل.
وعن فلسفته فى هذا الحلم يقول العربى: الشطارة أن تكون مسخرا للآخرين، وتوظف بشر وتفيد الناس عشان ربنا يكرمك ويعطيك الصحة ويبارك لك فى أولادك وفى صحتك وفى مالك.
وكما يقول المثل الشعبى «ابن الوز عوام»، ورث أبناء محمود العربى الثمانية حب التجارة والخير من والدهم، ويعملون حاليا على استكمال مسيرته بقيادة نجله الأكبر إبراهيم العربى، والذى ورث أيضا منصب أبيه كرئيساً لغرفة القاهرة التجارية.
حسين صبور.. تخيل أن المهندس الذى أشرف على بناء مدن العاشر من رمضان و6 أكتوبر والسادات والساحل الشمالى، والإشراف على أعمال كبرى المشروعات مثل مترو الأنفاق، كان أول مشروع قام به فى حياته هو بناء مقبرة مقابل 150 جنيها، وهو ما يثبت أنه فعلا شيخ المعماريين فى مصر حسين صبور.
ويقول حسين صبور، فى إحدى اللقاءات التليفزيونية، إن سر نجاحه هو العمل بجدية منذ بدأ مشواره وحتى الآن، ويرى صبور أن إنجازه الحقيقى هو بناء جمهورية من الزملاء المهندسين والأطقم المعاونة على درجة عالية من الكفاءة، وهم الكنز الحقيقى وراء ما حققه من إنجازات.
ويحكى صبور عن بداياته قائلاً: تخرجت من كلية الهندسة جامعة القاهرة عام 1957، وفى نفس العام أسس مع اثنين من زملائى مكتباً مشتركاً للأعمال الهندسية بمنطقة مصر الجديدة، أولهما توفيق نسيم، سليل إحدى العائلات المسيحية الثرية، والتى هاجرت إلى كندا بعد قوانين التأميم التى صدرت عام 1961م، أما الثانى فهو عفت منصور الذى سافر بعد فترة قصيرة فى بعثة للحصول على درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة، وأصبح وحيداً فى المكتب.
ويضيف لم يكن العمل وحدى هى الأزمة الوحيدة، ولكن الظروف وقتها كانت أصعب إذ صدرت فى هذه الآونة قوانين تحديد إيجارات المساكن فتوقف القطاع الخاص عن البناء، مما أدى لتراجع شديد للغاية فى معدلات البناء، وهو ما دفعنى إلى التفكير نحو القطاع الصناعى بعد أن اتجهت الدولة لتأميم الصناعة، وتمكن من أن يتولى بناء مصانع وورش جديدة، وبعدما بدأت الحياة تزدهر وذاع صيته، واجه مشكلة جديدة وهى النكسة التى أدت إلى توقف المشروعات المدنية ليتخذ قراره فى السفر إلى ليبيا، التى حقق بها نجاحات ضخمة ساعده فى ذلك انفتاح ليبيا فى ذلك الوقت على أوروبا إلى اشتعال المنافسة على هذه السوق، مع أكبر المكاتب العالمية، ليتعلم صبور كيفية تقديم العروض والمنافسة على الجودة وليس السعر، فارتفع مستواه بدرجة كبيرة، وأصبح ذائع الصيت على كل المستويات.
وبعدما عاد إلى مصر مرة أخرى، أسند إلى صبور الإشراف على تخطيط العديد من المدن الجديدة التى تم بنائها خلال فترة الثمانينات مثل مدن العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر والسادات، كما أشرف على تنفيذ خطين المترو الأول والثانى، ويعلق صبور على هذا الأمر قائلا: إنشاء كل تلك المشروعات المختلفة لم يكن صعباً، لأننا كنا نستعين بالخبرات التى تعلمنا منها.. والأهم أن يكون لديك جرأة ومثابرة وثقة فى النفس وأن تستعين بالخبرات فى تلك المجالات.
ورغم بلوغه سن 83 عاماً، إلا أن صبور مازال يواصل العمل داخل مكتبه، بمساعدة ابنيه أحمد وعمر، ويشغل الأول منصب رئيس مجلس إدارة شركة الأهلى للتنمية العقارية التى تعتزم ضخ 5 مليارات جنيه استثمارات جديدة خلال عام 2019، فى عدة مشروعات بمدينة مستقبل سيتى والساحل الشمالى، ويشغل الثانى منصب نائب رئيس مجلس إدارة مكتب المهندس الاستشارى حسين صبورم ويستهدف تصميما وإشرافا على مشروعات بقيمة 100 مليار جنيه، خلال العام الجارى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة