لا يدعو أبدًا للابتهاج، تقرير منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة بمجلس الوزراء، إذ يسجل زيادة لافتة فى عدد الشكاوى المسجلة على عداد الحكومة.
إجمالى عدد الشكاوى المسجلة على المنظومة خلال الربع الأول من العام الجارى بلغت 146 ألفا و140 شكوى مقارنة بـ94 ألفًا و181 شكوى عن الفترة نفسها من عام 2018، بنسبة زيادة قدرها 55%، ليصل إجمالى ما تم تسجيله على المنظومة خلال الفترة منذ مطلع يوليو 2018 إلى 400 ألف شكوى!
الزيادة هنا لا تدعو أبدًا للغبطة، التحليل الأمين يقول: إن الزيادة 55 فى المائة تترجم فشل الوحدات الطرفية فى الوزرات والهيئات والمؤسسات، تحديدا فى المحليات، فى توفير الحلول لمشاكل الناس محليًا فتصدر المشاكل إلى مجلس الوزراء مركزياً، هناك عطب يعبر عن نفسه فى شكاوى مركزية.
400 ألف شكوى فى أقل من 9 أشهر، بمعدل 44 ألف شكوى شهريا، رقم بقدر ما يطمئن على فاعلية المنظومة التى تشبه « ديوان المظالم»، فإن ارتفاع عدد الشكاوى بهذه النسبة يؤشر، أولا على انسداد فى النهايات الطرفية فى الوحدات الحكومية، سدت فى وجوه الناس السبل محليًا، فذهبوا إلى الشكوى فى مجلس الوزراء يأسًا من موظفى المحليات والمديريات والهيئات والمؤسسات، مقدمو الخدمة فى النهايات الطرفية على ما هم عليه، لم يطرأ عليهم تغيير، لايزالون فى محطة «فوت علينا بكرة».
وثانيًا، يؤشر على افتقاد الناس أصلا للثقة فى قدرة هؤلاء المحليين على توفير حلول جذرية، فذهبوا مركزيًا بحثًا عن حلول، وبالتجربة ترحل المحليات الطلبات والشكايات إلى الوزارات، بلا وجع دماغ، هناك جيل بيروقراطى من موظفى المحليات جُبل على تصدير المشاكل إلى الوزارات بدلا من التوفر على توفير حلول للتخفيف على المواطنين وحل مشاكلهم فى مسقط رأسهم فتطل برأسها فى العاصمة.
وثالثًا، حل المشاكل فى مجلس الوزراء ليس حلا، سيجد مقاومة من هؤلاء البيروقراطيين العتاة، الذين يعقدون العقد، ويغلقون الأبواب فى وجوه الناس، ويسودون عيشتهم، وتتفشى فيهم كل أمراض البيروقراطية المتوطنة من محسوبيات ووساطات ورشاوى، هؤلاء ولفوا على إذلال البشر، ويسيئهم تقديم الخدمة خالصة لوجه الله.
تقديرى، الأهم من الزيادة فى عدد الشكاوى، هو الرد الفعلى على الشكاوى بتوفير الحلول وإعلانها، حلول جذرية تنهى الشكوى وتعالج مصدرها، والذهاب فى الحل إلى علاج المشكلة من جذورها، وألا يكون الرد بإعادة الشكوى إلى محلها المختار، ويذهب الشاكى إلى نفس الوحدة المحلية، التى يشكوها إلى مجلس الوزراء، ويدخل المواطن فى دوامة مكاتبات، ويبقى الحال على ما هو عليه.
نجاح العاملين فى المنظومة «وهم من الشباب الواعد» فى توفير الحلول لنحو 300 ألف شكوى، جهد مشكور، ولا شكر على واجب، ولكن أخشى أنها حلول ورقية، توصيات بحلول، وترحيلات، كما جاءت الشكوى ترحل إلى موطنها الأصلى بتوصية بالحل واتخاذ اللازم، هنا يصدق القول، كأنك يا أبوزيد ما غزيت، ولا رحت مجلس الوزراء ولا جيت.
الدكتور النابه طارق الرفاعى، رئيس منظومة الشكاوى الحكومية، لم يفصح إعلاميًا عن طبيعة الشكاوى، ولا التكراريات فى الشكاوى، ونسقها، وماهية الوزارات المشكو منها، وماهية الهيئات التى تصدر عنها الشكاوى، منظومة الشكاوى وإن كانت معنية بتوفير الردود، ولكنها معنية أكثر بتقديم دراسات حقلية موثقة عن أداء الوزارات والهيئات والمؤسسات، التى تصدر عنها الشكاوى .
أيضًا نوعية الشكاوى وتكراريتها يمكن البناء عليها فى رسم سياسات المواجهة، مادام مصدر الشكاوى نشطا فسنحصد المزيد من الآلام، الشكاوى مقياس الرضا العام، أخشى أن ما وصل إلى مجلس الوزراء غيض من فيض.