أكرم القصاص

تحولات القرن الكبرى.. خرائط تتغير بشكل أسرع وأكثر تعقيدا

الأربعاء، 17 أبريل 2019 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا العالم يتغير بأسرع كثيرا مما نظن أو نتصور وحتى مما كانت التوقعات والتصورات ترسمه، وقبل ثلاثين عاما كان خبراء المستقبليات يحاولون رسم صورة عالم أكثر تواصلا، ورخاء وأقل صراعا، لكن اليوم يبدو هذا العالم مختلفا، هذا العالم القديم الذى تشكل بعد الحرب العالمية الثانية يتغير بشكل واسع، وهو تغير يصل إلى الدول الكبرى نفسها، التى تنقل نظرها بين ما تواجهه، وما يجرى فى الشرق الأوسط.
 
وربما نكون فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية والأفريقية منشغلين بأحوالنا، حيث تعوم منطقتنا على براميل من البارود فى كل مكان، بينما العالم نفسه من حولنا لا يكف عن التغير، وتمر التفاصيل والتحولات علينا من دون أن نستطيع التفرغ لفهمها أو قراءتها، والنتيجة أننا نصحو كل يوم على شكل جديد، ولهذا تبدو الكثير من محاولات التحليل لما يجرى، قاصرة، وتبدو مراكز الدراسات والبحوث الغربية أكثر حيرة، وارتباكا، وأقل يقينا على العكس مما كان فى السابق، وتكتشف الدول الكبرى أن التطورات والتحولات التى تشهدها المنطقة العربية، أكثر تعقيدا مما كانت مراكز الدراسات والتفكير تروج له قبل عقود.
 
وبفضل ثورة المعلومات ومواقع التواصل أصبحنا أقرب لقراءة العناوين، ولا يوجد الكثير من الوقت لتأمل ما يجرى، وحتى القضايا التى تشكل أمرا مصيريا لنا تراجعت فى قائمة الاهتمامات، وحتى موجات التغيير التى تجرى فى السودان والجزائر وليبيا، لا تجد اهتماما وتركيزا مثلما كان الحال قبل ثمانى سنوات، ويبدو أن الصراعات التى شهدتها سوريا والعراق واليمن وليبيا خلال السنوات الماضية وما تزال غير واضحة المعالم فيما يتعلق بالمستقبل، وقد امتصت الكثير من الجهد والمال، وحتى الاهتمام الأوربى والدولى بما يجرى اليوم فى السودان والجزائر وليبيا، أصبح أقل كثيرا مما كان فى البداية.
 
ثم إن تراجع تركيز الغرب فى قضايانا، فى جزء منه بسبب الانشغال بتحولات تدور فى أوربا نفسها، التى تواجه أزمة الخروج البريطانى ومخاوف من انفراط العقد الأوربى، فضلا عن مواجهة تهديدات أخرى بعودة الإرهابيين من الشرق الأوسط إلى بلادهم، وخلال الأسبوع الماضى أعلنت فرنسا عن تقديم أموال لمحاكمة مواطنيها من الدواعش فى العراق، ونفس الأمر فيما يتعلق بدواعش ألمانيا أو بريطانيا، والدول الأوربية الأخرى التى تميل إلى رفض استقبال مواطنيها وتتركهم لمواجهة مصائرهم فى سوريا والعراق. نفس الدول الأوربية التى ترفض استقبال مواطنيها، هى التى كانت تشجع سفرهم للمشاركة فى تحولات الشرق، اليوم يتبرأون منهم ويتركونهم فى الشرق الأوسط، ومهما كانت النتائج فإن ما يجرى فى هذه المنطقة من العالم يؤثر ويتأثر بغيره. واكتشفت أوربا أنها ليست بعيدة عما يجرى فى جنوب المتوسط.
 
ومن دون توسيع دائرة النظر لما يجرى فى العالم وخرائط الصراع والتحول شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، تثبت التجارب أنه مهما كانت آراء الأطراف الخارجية، يظل الحسم فى أيدى الشعوب وهى وحدها التى تحسم المستقبل بقدر ما تستطيع الالتفاف حول أهداف واضحة، ومن الطبيعى أن تكون الشعوب قادرة على التعلم من تجارب سابقة متشابهة، وتتحاشى تكرار أخطاء السابقين. ولهذا تظل بعض القراءات التى تروج على مواقع التواصل أو حتى فى الصحف العالمية الكبرى، أكثر ميلا للتعميم والتبسيط، بينما التحولات نفسها تبدو أسرع من القدرة على رصدها، ليكون الربع الأول من القرن الواحد والعشرين مجالا لتحولات ترسم شكل عالم مختلف، لن تختفى منه الصراعات، لكنها ستكون مختلفة عما كان خلال القرن العشرين.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة