يظل الحوار المباشر حول القضايا المختلفة، هو أقرب طريق بين مختلفين. ويتساءل البعض عن جدوى الحوار فى زمن يعبر فيه كل واحد عن رأيه على « فيس بوك» وتويتر، ويدخل فى كلام دائم مع زملائه ومتابعيه؟.لكن من يطلقون هذا الرأى يتجاهلون أن مواقع التواصل، تصنع زحامًا من العارفين وأنصاف وأرباع الخبراء، والمتعصبين والمعتدلين والمتفرجين، فى حالة أقرب للمولد، تصنع ضجيجًا أكثر مما تتيح تفهمًا. حيث الرأى وعكسه، وقليلون يتراجعون عن خطأ رأيهم السابق ويفضل بعض «عمقاء التحاليل» أن يظهروا فى صورة «العارف الدائم المستمر».
وإذا جاءت النتائج عكس توقعاتهم، فهم يبحثون عن مخرج آخر لا يظهرهم فى صورة من لا يعرف، فقد توقع بعض هؤلاء ارتفاعات فى الدولار أمام الجنيه، لكن ثبات سعر الجنيه، ثم ارتفاعه خيب توقعاتهم، وردوا بأنها لعبة اقتصادية تمهيدًا للرفع، وعندما ظهرت تقارير اقتصادية دولية ترصد ارتفاع نسبة النمو، وتحسن فى الأداء الاقتصادى وقرب تحقيق توازن يسمح بجنى ثمار الإصلاح، خرج «الافتراضيون» يتساءلون عن ترجمة هذا الارتفاع فى النمو.
وعندما صدر قرار رفع الحد الأدنى للمرتبات والمعاشات، والعلاوة الاستثنائية للموظفين، وهى أكبر زيادة خلال فترة طويلة، بعد شهور من الانتظار، وانعكست بالإيجاب لدى ملايين الأسر من الموظفين وأسرهم، وبالرغم من أن عددًا لابأس به من المعلقين كان يطالب بهذا الرفع، أصابهم قرار الرفع بصدمات تحليلية وارتباكات، منهم من صمت أو حاول البحث عن تخريجة «عميقة» متساءلًا عن مصدر تمويل هذه الزيادات، من دون أن يرى تقارير عن تحسن أداء الاقتصاد، من مصادر محلية ودولية، ترى أن الإصلاحات الاقتصادية تتيح وجود ثمار تظهر فى ارتفاع نسبة النمو، يفترض أن تترجم هذه النسب لصالح المواطنين.
إذا ارتفع الدولار يشيرون إلى رؤيتهم العميقة، وإذا انخفض الدولار يشيرون إلى أنها انخفاضات وهمية لا تتعارض من «تحاليلهم الأعمق»، ومن كانوا يتساءلون عن ترجمة ارتفاع النمو عادوا ليحذروا من تضخم قد يصنعه رفع الرواتب والمعاشات، متجاهلين أن التضخم وارتفاع الأسعار وارد حسب قوانين العرض والطلب والأسعار العالمية.
وتبدو آراء هؤلاء محاولة لزرع الإحباط والاكتئاب لدى جمهور أصبح حساسًا، وينتظر تحليلات تخلو من المبالغة فى التوقع أو المبالغة فى الإحباط.
نحن أمام حالة فصام بين بعض خبراء «الافتراضى» ، ممن تمثل بعض هذه القرارات صدمة لأنها تتعارض مع تحليلاتهم، مما يضطرهم للبحث عن تخريجات لا تظهر سطحيتهم. وعن شعور البعض بأنه إذا ذكر ميزة أو خطوة إيجابية فهو يخسر لايكات متابعيه أو جمهور اعتاد أن يقدم لهم «مايطلبه المتابعون».
وهذا لا يعنى انخراط المعلق فى تأييد أو معارضة، لكن قراءة من زوايا متعددة وليس من زاوية تربص وترصد، ولا زاوية تسليم وتصفيق، لكن قراءة، تستند إلى ما هو متاح من معطيات.
مثلًا أشار بعض المحللين إلى القطاع الخاص والحاجة إلى أن يشمله رفع الأجور، بينما الحكومة تمتلك سلطة الرفع للموظفين من خلال وزارة المالية، الأمر الذى يمكن أن يخل بالتوازن، ونفس الأمر فيما يتعلق بالأسعار، والتى تحكمها قوانين العرض والطلب، ولا توجد سلطة التسعير الجبرى، لكن يمكن للحكومة تفعيل قوانين العرض والطلب والتدخل حسب صلاحياتها، والبحث عن آليات لرفع أجور القطاع الخاص بعد التفاهم مع رجال الأعمال، مع الأخذ فى الاعتبار أن موظفى الحكومة هم أكثر الفئات التى عانت من تأثيرات الإصلاح الاقتصادى.
ونحن هنا نضرب مثلًا على أهمية وجود حوار أكثر من مجرد صفحات تواصل تتضمن كميات من التناقض، والآراء المتعاكسة بشكل يجعل من الصعب على المتابع العادى التوصل إلى رؤية. بل أن إتاحة الفرصة للحوار المباشر سوف تعطى الفرصة للجمهور أن يعرف الفرق بين الحقيقى والمدعى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة