صار من المهم بالنسبة لكثيرين من المنتمين للتيار الإسلاموى المتطرف والمحافظ المتشدد أن يراجعوا آليات وصور ظهورهم ومشاركاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعى، فنظرية شيطنة الآخر ما عادت صالحة بعد أن سقط القناع عن معظم رموز هذه التيارات !
وهنا فنحن نتحدث عن أشخاص ومراكز ومنظمات ورموز متشددة ومعروفة بمواقفها المتشنجة والمعادية لخطاب الانفتاح الذى تنتهجه حكومة الإمارات، وكذلك خطاب الاستنارة الذى يعبر عنه مثقفون وكتاب إماراتيون متنورون، مستخدمة آليات "الدفاع المضلل والمتهافت" بتكفير الآخر وتخوينه وشتمه وإخراجه من الملة ورميه بالعلمانية والإلحاد.. إلخ، من أجل مقاومة خطاب التسامح وافتعال معارك فارغة إعلاءً لنبرة الكراهية والتمييز، هؤلاء باتوا منكشفين تماما أمام الرأى العام، خاصة بعد أن قررت القيادة السياسية فى الإمارات أن لا تمنح أية فرصة لتيارات الغلو والتشدد كى تصول وتجول كما كانت تفعل سنوات الثمانينيات وما بعدها، بعد أن اتضح جليًا خطورة ممارساتها فى كل المجالات وتحديدًا تأثيراتها على عقول وتوجهات الشباب !
لذلك فإن تغليظ العقوبات فيما يخص التجاوزات والجرائم الإلكترونية أمر فى غاية الأهمية، وهو ما أدى كما نلاحظ إلى "تخفيف" لغة الكراهية على مواقع التواصل وتراجعها عما كان عليه فى السنوات الماضية، ذلك أن الإنسان الذى لا يردعه دينه الذى يدعى أنه يدافع فيشتم الآخر ويحقره ويقصيه ويتعالى عليه، ليس له سوى القانون رادعا ومانعا، يأخذ على يده وبالتالى يحمى أمن واستقرار المجتمع، وحقوق الآخرين وحرياتهم، وبذلك تترسخ ثقافة قبول الآخر وشيوع التعددية والاختلاف باعتباره يعبر عن واقع طبيعى، محكوم ومؤطر بالقانون، كما أنه دلالة أكيدة على تطور المجتمع وفعالية قوانينه، وسعيه الحقيقى ليكون مجتمع مؤسسات مدنية ومجتمع قانون ملتزم، وهذا وحده ما يمكن أن يجنبنا الفوضى والخراب والدمار الذى بات يضرب سائر دول النظام الإقليمى العربى للأسف !
لقد بذلت الإمارات وما زالت تبذل مساعيها لترسيخ ثقافة التسامح وقبول الآخر، وصولا "لتجفيف" وليس مجرد "تخفيف" خطاب الكراهية والتمييز على ارض الواقع كما فى الفضاء الإلكترونى ومواقع التواصل، بحيث لم يعد مسموحا به ولا مقبولا فى ظل: عام التسامح، وقانون مكافحة التمييز والكراهية، وقانون الجرائم الالكترونية الصارم، والبرنامج الوطنى للتسامح، والمؤتمر السنوى لتعزيز السلم ومؤسسات ومراكز مراجعة الخطاب الدينى المتشدد كمركز الموطأ، ومبادرة صواب وغيره، لم يعد مقبولا وجود هذه النبرة المتعالية والمتخلفة، وهذه السلوكيات المنفرة التى تكفر وتخون وتتهم وتسخر من كل فكر مختلف ومستنير !
أن تصنيفك من أجل تصفيتك أمام الرأى العام باتهامك بالإلحاد مثلا، جاء من أذهان لا تجيد تقييم الواقع وتغليب المصلحة العامة، كما جاء من قراءات خاطئة لمحتوى التغريدات والمقالات التى يدونها ويكتبها النشطاء الذين باتوا يعبرون عن أفكارهم وقناعاتهم بحرية، مغتنمين مناخ الانفتاح الذى يسود بعض مجتمعات الخليج كالإمارات والسعودية .
انها معركة مصالح براجماتية صرفة يخوضها هؤلاء المتطرفون تنفيذا لأجندات دولية وإقليمية وتنظيمية، وان هذا الخطاب الذى يتبعونه بقدر ما هو ساذج ومكشوف إلا أنه خطير ومؤثر فى الوقت نفسه حين نعلم مقدار الاستلاب والعقول الصغيرة المغسولة والمضللة التى تقتفى أثر هذا الخطاب على مواقع التواصل، من هنا تأتى ضرورة وجود قوانين صارمة ومفعلة ودون تردد .
إنه مأزق حضارى تقع فيه الامم حين تأفل الفكرة الانسانية العظيمة ويبزغ صنم المصالح والجهل والتطرف، وقد تورطت فيه مجتمعات كثيرة قبلنا بمئات السنين، وعلينا أن نتصدى له بوعى ويقظة حفاظًا على منجزاتنا وأمننا الوطنى، فإن لم يكفِ الوعى والتربية والتعليم، فإن الحضور القوى للقانون أمر لابد منه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة