قضت المحكمة الادارية، بتأييد قرار وزير الداخلية بأحالة امين شرطة للمعاش ورفض الدعوي المقامة بطلب الغاء القرار وعودتة للعمل ،وذلك بسبب قيامة بإطلاق لحيته وعدم حلاقتها بالمخالفة للقواعد السارية بهيئة الشرطة والكتب الدورية الصادرة فى هذا الصدد فضلا عن قيام الجهة الادارية بالتحقيق مع المدعى وايقافه عن العمل لهذا السبب الا أنه أقر بالتحقيقات التى أجريت معه تمسكه باطلاق لحيته رغم علمه بمخالفة ذلك للكتاب الدورى رقم 3 لسنة 2013 وقانون هيئة الشرطة.
صدر الحكم برئاسة المستشار الدكتور حسام عبدالعزيز نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية كل من المستشار الدكتور محمد حمادة عليوة غانم والمستشار محمد عبد المجيد المقنن والمستشار إسلام توفيق الشحات السيد نواب رئيس مجلس الدولة.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن ما فعله المدعى يعد خروجا متعمدا على التعليمات ومخالفة القواعد الحاكمة لهيئة الشرطة منذ إنشائها بوصفها هيئة مدنية نظامية ذات طابع عسكري من شانه الترسيخ لمبدأ عصيان الأوامر الصادرة من الرؤساء وهو أمر من شأنه إحداث حالة من الفوضى وهو ما يستتبع تأثير سلبي على الصالح العام وهو ما استشعرته الجهة الادارية ودفعها إلى إصدار القرار محل النزاع والذي جاء متفقا وصحيح حكم القانون قائما على السبب المبرر له بمنأى عن الإلغاء ويغدو معه طلب إلغائه جديرا بالرفض.
واستكملت المحكمة ، أن وزارة الداخلية أصدرت بتاريخ 25/2/2012 الكتاب الدوري رقم 3 لسنة 2012 تضمن الآتى :- فى إطار حرص الوزارة على ظهور أبنائها الأفراد بالمظهر الانضباطي الذي تقتضينه ممارية رجل الشرطة لوظيفته وذلك فى إطار جهود الوزارة لتوفر الزى ومستلزماته بصورة دورية وإلحاقا للكتب الدورية السابق إعلانها بشان ارتداء الزى الرسمي على وجه لائق طبقا للقرارات الوزارية والتعليمات الصادرة فى هذا الشأن والعناية بالمظهر الشخصي من حيث قص الشعر وحلاقة الذقن بما يتلاءم ومقتضيات الزى الرسمى.
ومن حيث أن الشرطة وفقا للمادة (1) من القانون رقم 109 لسنة 1971 أنفة البيان هيئة مدنية نظامية وينئ معنى كلمة – نظامية – عن مدلول خاص يميز هذه الهيئة عن غيرها من الهيئات المدنية الصرفة وأية ذلك واضحة فيما تضلع به من مهام أمنية بالدرجة الأولى تستلزم استنهاض همم أفرادها بالسرعة والكفاءة اللازمتين لتحقيق الغرض المنشود من إنشائها وهو ما تستتبع بالضرورة الالتزام التام من قبل هؤلاء الأفراد بما يصدر من تعليمات وأوامر بشان عملهم بما فى ذلك تنظيم شكل الزى والمظهر الخارجي لفرد هيئة الشرطة وكذلك السلوك العام سواء كان فى العمل أو خارج العمل وما جبل عله أفراد هيئة الشرطة منذ نشاتها .
ومن حيث ان المحكمة الإدارية العليا قضت فى حكم حديث لها بأن ( وحيث إنَّه بالنِّسبة لمَدَى شرعيَّة إعفاء اللِّحيَة للرِّجال أم حلقها وفقاً لأحكام الشَّريعة الإسلاميَّة ، فإنَّ المحكمة ترى أنَّ المَسألَة تَتعلَّق بدَلالة الأمْر والنَّهْي في القُرآن والسُّنَّة ، والتي انتهى علم أُصول الفقه إلى كونها ليست كلها للوُجوب بل منها ما يكون على سبيل النَّدْب ، خاصَّة وأنَّ القُرآن الكريم لم يتضمَّن نصاً صريحاً قاطعاً في شأنها وإنما أوردتها السُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة ، فيضحى السؤال في مَسألَة إعفاء اللِّحيَة هل هي للوُجوب أم للنَّدب؟
والثَّابت مِن البحث المُتعمِّق في أُصول المَسألة أنَّ العلماء اختلفوا على مر العُصور والمجتمعات في الحُكم الشَّرعي للِّحيَة وإعفائها أو حلقها أو نتفها أو الأخذ مِنها ، ما بين منكر لهذا أو ذاك أو مجيز له ، وتنوَّعت آراؤهم ما بين جعل أيٍّ مِن ذلك سُنَّة واجبة أو سُنَّة مُؤكَّدة أو بِدعة محرَّمة أو مِن سُنَن العادات أو مِن سُنَن الفِطرَة التي هي مِن المُستحبَّات أو المَكروهات أو مِن سُنَن العادات لقومٍ أو لبيئة مُعيَّنة أو مِن خصائص النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ولكل رأيٍّ أدلَّته وأسانيده الشَّرعيَّة بناء على اختلافه في فهم "دَلالة الأمْر" في الحديث النَّبوِي الشَّريف ، على النحو الموضح جميعه في السابق . ويضحى توصيف كل هؤلاء العلماء الأجلاء أنهم مجتهدون ، فلا يجب إنكار بعض اجتهاد الآخرين في الرَّأي للبعض الآخر ، وإنما يُقبَل الاختلاف عموماً كنوع مِن اختلاف التَّنوُّع وليس التَّضاد . وبالتالي ففي حال اختلاف العلماء على حُكم شرعيٍّ مُعيَّن ، يجب على كل مُسلمٍ أنْ يختار فيه برويَّة مِن الاجتهادات الشَّرعيَّة للعلماء وأسانيدها ما يطمئن إليه قلبه وثوابته ، وفق ما يُناسب فطرته وثقافته وأحواله الاقتصاديَّة والاجتماعية والوظيفيَّة ، دون أنْ يَضرَّ بصالح البِلاد أو العِباد أو حُرِّيَّاتهم .
وبالمِثْل يحق للمُشرِّع في المُقابِل أيضاً حال اختلاف العلماء على حُكم شرعيٍّ مُعيَّن ، أنْ يَضَعَ مِن النُّصوص القانونيَّة التي تتفق مع أرجح تِلك الآراء ، بُغيَة تنظيم السُّلوك والمَظهر الخارجي والمَلبَس لفِئات محدَّدة مِن العامِلين المُنتسبين لمَرافِق إداريَّة مُعيَّنة بما يحقِّق الصًّالح العام للبلاد وللمِرفق معاً ، طالما لا تخالِف صراحة أو ضِمْناً أياً مِن أركان الإسلام أو ثوابت أحكامه المُتَّفق عليها ، وفي ظلِّ اعتِبار مَبادِيء الشَّريعة الإسلاميَّة مَصدراً رئيسياً للتَّشريع ، على أنَّ يخضع ذلك كله للرِّقابة القضائيَّة .
ومِن ثم فإنَّ التزام العامِلين بالدَّولة عُموماً بالقانون والقواعد المُنظِّمة للعمل داخل مَرافقها ، والتزام ضُبَّاط ورجال هيئة الشُّرطة خُصوصاً بالتَّعليمات الانضباطيَّة والعُرف العام السَّائد داخل الهيئة الشُّرطيَّة ، لهو التزام قانوني ينأى عن المخالَفَة ، وأهم وأجدى لصالح البلاد والعِباد . إذ يجب عموماً الالتفات إلى الأمور والتَّعاليم الإسلاميَّة الغرَّاء التي تحتاجها الأمَّة بأكملها في دروب تقدُّمِها ورُقيِّها والنَّأي عن الجَدَل في القضايا الفقهيَّة الخِلافيَّة .
وحيث أنَّ المُشرِّع في قانون هيئة الشُّرطة المُشار إليه أنشأ نِظاماً مُنفرداً لإحالة ضُبَّاط الشُّرطة إلى الاحتياط ، فأجاز لوزير الدَّاخليَّة أن يحيل الضُّبَّاط - غير المُعيَّنين في وظائفهم بقرار جمهوري - إلى الاحتياط لمُدَّة لا تزيد على السنتيْن ، بناءً على طلبهم أو طلب أجهزة وزارة الداخليَّة لأسباب صحية تقرّها الهيئة الطبية المُختصَّة ، أو إذا ثبتت ضرورة وأسباب جديَّة تتعلَّق بالصَّالح العام لهيئة الشُّرطة أو للبلاد عموماً ، وذلك للضُّبَّاط مِن دون رُتبة "اللواء"، وبعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشُّرطة في أيٍّ مِن هذا ، على أنْ يُعرَض أمر الضَّابط المحال قبل انتهاء مُدَّة الإحالة على المجلس الأعلى للشُّرطة مِن جديد لتقرير إحالته إلى المَعاش أو إعادته إلى الخِدمة العامِلة ، تَبَعاً لاستمرار الأسباب الجِدِّيَّة للإحالة إلى الاحتياط مِن عدمها .
ومن ثم يضحى نِظام الإحالة إلى الاحتياط مختلفاً ومُستقلاً تماماً في طبيعته القانونيَّة وأهدافه وإجراءاته عن نِظام تأديب ضُبَّاط الشُّرطة ، ويمسى هو الأَوْلى بالاتباع مِن قِبَل الجهة الإداريَّة القائمة على مرفق الشُّرطة في الحالات التي تتعلَّق جدياً بالصَّالح العام والتي تدخل في زمرتها وقائع الاختلاف المُستمِر للمَسْلَك الانضِباطي للضَّابِط في المجْمَل عَن الأعراف والتَّعليمات الشُّرطيَّة الانضباطيَّة ، خاصة مع صعوبة مُعالجة بعض هذه الوقائع بنِظام التَّأديب لأن احتمالات العَوْدِ فيها أقرب مِن درئها ، فضلاً عن أنَّ سُلطة الإدارة التَّقديريَّة في الإحالة إلى الاحتياط ثم إقرار عودة الضَّابط مِن الاحتياط إلى الخِدمة العامِلة أو إحالته إلى المَعاش تخضع كُلِّيَّة للرِّقابة القضائيَّة . الأمر الذي يغدو معه انعطاف الجهة الإداريَّة إلى وسيلة التَّاديب في مَسألات هي في الأصل خاضعة لسُلطتها التَّقديريَّة في الإحالة إلى الاحتياط نوعاً مِن أنواع الانحراف المُمنهَج في استعمال الإجراء القانوني الذي أوجب المُشرِّع اتِّباعه - فضلاً عن إبراز الواقع العَمَلي لعدم جَدوى التَّأديب في معالجة بعضها - إذ أنَّ لجوء الجهة الإداريَّة إلى اتخاذ الإجراءات التَّاديبيَّة قِبل الضُّبَّاط في المَسائل ذات الأسباب جديَّة المُتعلِّقة بالصَّالح العام تعد وسيلة قانونيَّة غير مُباشرة لإهدار حُقوقه باعتبار أنَّ نهايات التَّدرّج الجزائي لوسيلة التَّأديب قد تودِي به أن يصير ضابطاً معزولاً مِن وظيفته ، في حين أن نِظام الإحالة إلى الاحتياط يُعيده في نهاية المطاف إلى الخِدمة العامِلة مرَّة أُخرَى أو يجعله ضابطاً محالاً إلى المعاش بما يُتاخمه مِن حقوق أدبيَّة وماليَّة وصحيِّة واجتماعيَّة لا تَتأتَّى للضَّابط المَعزول مِن وظيفته .
ولما كان الطَّاعن قد ارتضى طواعيَّة واختياراً بإرادته الحُرَّة الانخراط في العمل بمرفق الشُّرطة المِصريَّة ، وأقسَم قبل مُباشرة أعمال وَظيفته اليَمين القانونيَّة باحترام الدُّستور والقانون ومُراعاة سلامة الوَطَن وأداء واجبه بالذِّمَّة والصِّدق ، ومَارَس أعماله كضابِط شُرطة لسنوات طِوال ، مُلتزِماً بضوابط هذا المِرفق ذي الطَّبيعة الخاصَّة والتي مِن بينها الالتزِام بزيٍّ خاص ومَظهر لائق يحكمه القانون والقرارات والتَّعليمات الانضباطيَّة ، ومُتدرِّجاً في الرُّتب والوظائف الشُرطية وَسْط أقران دُفعته دون تضييق مِن الجهة الإداريَّة المَطعون ضدها عليه في ممَارَسَة شعائرَ الدِّين الإسلامي الحَنيف مثله مِثل أقرانه طوال خِدمته الوظيفيَّة . فكان على الطَّاعِن إكمال أعمال وظيفته داخل مِرفق الشُّرطة على الوجه الذي أوجبه القانون والتَّعليمات والانضِمام إلى زملائه الضُبَّاط في مَسيرتهم الأبيَّة نحو إمعان الأمن والأمان في البلاد وسط ما تتعرَّض له مِن المَوجات الإجراميَّة والإرهابيَّة وخِلافه ، وله في ذات الوقت مِثل بقيَّة أقرانه مِن الضُّبَّاط وكافَّة موظفي الدَّولة حُرِّيَّة ممارَسة الشَّعائر الدِّينيَّة وفق المَنظومة التَّشريعيَّة المِصريَّة التي اتخذت دُستورياً مِن الإسلام دين الدَّولة ومِن مَبادِيء الشَّريعة الإسلاميَّة مَصدراً رئيسياً للتَّشريع . أما وقد أعفَى الطَّاعن لحيتَه اعتقاداً مِنه بمُخالَفة قصها لأحكام الدِّين الإسلامي الحَنيف ، على الرُّغم مِن كونها مِن الأمور المُختلف فيها بين العلماء على النَّحو السَّالف إيضاحه تفصيلاً ، مخالِفاً بذلك القانون والتَّعليمات الانضباطيَّة داخل مِرفق الشُّرطة ، وأصرَّ على المُضيِّ في نهجه مُفضِّلاً الاستمرار في الجَدل في القضايا الفقهيَّة الخِلافيَّة ، دون أنْ يستقيل أو يلتمس عملاً آخراً ، فإنَّه يكون مُرتكباً ذنباً إدارياً مَسلكياً لا يجب التَّهاون في شأنه ، إذ يتأبى الخُضوع لقواعد النِّظام مع الالتزام به ( يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 10113 لسنة 61 ق.ع – جلسة 23/6/2018 ).