استقالة بوتفليقه من منصبه طوت صفحة مهمة من تاريخ الجزائر استمرت لسنوات طويلة، حيث أعلنت الرئاسة الجزائرية أمس أن الرئيس بوتفليقة (82 عاما) أخطر المجلس الدستورى بإنهاء فترته الرئاسية، ويعد بوتفليقة أكثر رؤساء الجزائر بقاء فى منصبه، إذ وصل إلى سدة الحكم فى عام 1999 وظل فى الحكم لمدة 20 عاما.
وقال الرئيس الجزائرى المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، إنه اتخذ قرار الاستقالة لتهدئة نفوس الجزائريين وعقولهم؛ "حتى يتأتى لهم الانتقال جماعيًا بالجزائر إلى المستقبل الأفضل الذى يطمحون فيه".
وأضاف بوتفليقة فى بيان : "لقد أقدمت على هذا القرار حرصًا مني على تفادي ودرء المهاترات اللفظية التي تشوب، الوضع الراهن، واجتناب أن تتحول إلى انزلاقات وخيمة المغبة على ضمان حماية الأشخاص والممتلكات، الذي يظل من الاختصاصات الجوهرية للدولة".
عبد العزيز بوتفليقة
بوتفليقة الرئيس العازب
على عكس كل نظرائه العرب والأفارقة، ظلّ عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الجزائر يمارس مهام الرئاسة عازباً فى حالة فريدة، اذ أنه لم يسبق أن ظهر برفقة امرأة وأطفال.
وتعتبر عزوبية الرئيس، مثيرة لتساؤلات الجزائريين أكثر من وضعه الصحى، وتشكل حياته الخاصة "تابو" أو من المحرمات بالنسبة للمجتمع الجزائري.
ويكشف الكاتب فريد أليلات فى تقرير نشر بإحدى الصحف أن بوتفليقة "تمرد على طاعة والدته، منصورية الغزلاوى (توفيت فى 2009)، بوضع حد لعزوبيته الطويلة فى العام 1989، عن عمر ناهز 52 عاماً، بعدما تعرّف الى تلميذة الطب "أمال" فى القاهرة، وخطبها.
وفى العام 1990، تزوج بوتفليقة مدنياً من أمال التريكي، المولودة فى العام 1968 (21 عاماً حينها)، والمنحدرة من تلمسان، وهى ابنة الدبلوماسى الجزائرى يحى التريكي، الذى عمل فى القاهرة، وهى طالبة طب، وكانت بحسب شهادات متطابقة، فتاة جميلة وامرأة متقدة الذكاء، ومثقفة.
ويقول عبد القادر الدهبى، وهو أحد أبرز الوجوه السياسية فى الجزائر، والذى كان يقوم بزيارات اعتيادية لبوتفليقة، إنه لم يسبق له أن لاحظ وجود نساء فى منزل بوتفليقة، وعندما سأله عن سرّ غياب زوجته، أجابه بوتفليقة: "إنها فى بيت والديها. سيأتى اليوم الذى ستتعرف عليها فيه"، ويختم الدهبي: "إن حالة هذه المرأة، مازالت تعد لغزا فى تاريخ بوتفليقة العاطفي".
وتشير معلومات إلى أن الزوجين، انتهى ارتباطهما بالطلاق، وأعادت أمال بناء حياتها، وتعيش اليوم بين مصر وفرنسا، لكنها مازالت تحظى باعتبار خاص لدى السفارة الجزائرية بباريس، حيث لها رتبة مستشارة دبلوماسية.
وبغض النظر عن وجود أطفال لدى الرئيس من عدمه، فإنه لا يتردد فى الظهور أمام الكاميرات برفقة الأبناء الثلاثة لأخيه.
أزمة بروتوكولية بسبب غياب السيدة الأولى
خلال الولاية الرئاسية الأولى لبوتفليقة (1999-2004)، كان غياب سيدة أولى، مثيرا لمشاكل تتعلق بالبروتوكول ،فعند زيارة الرئيس الفرنسى جاك شيراك للجزائر فى 2003، كان لابد من اختيار واحدة من بين وزيرات الحكومة لمرافقة برناديت شيراك، زوجة الرئيس الفرنسي، أما اليوم فلم تعد هذه الاشكالات البرتوكولية مطروحة، فبوتفليقة لم يعد يسافر بسبب وضعه الصحى.
ويشير أحد الكتاب الجزائرين أن "بوتفليقة تأثر بـ3 نساء فقط، فى حياته ،الأولى والدته، وهى امرأة قوية الشخصية، وكان يناديها "يايا" أو "الحادجة" (الحجة)، وكان يكن لها مودة غير محدودة، وتأثيرها عليه، كان يشمل حتى قراراته الكبرى، كما حدث فى 1994، حين اقترح عليه الجنرالات تولى السلطة فرفض.
وبعد والدته، تأتى أخته "زهور"، وهى تعمل أساساً قابلة قانونية، لكنه رقاها إلى مستشارة للرئاسة، فصارت تسهر على راحة رئيس الدولة، وتعد له الأطباق التى يشتهيها.
وأخيرا هناك فتيحة بوضياف، أرملة محمد بوضياف الرئيس المغتال فى 1991، والتى كانت تربطه بها علاقة وطيدة، ويحكى مصدر مطلع أنه فى اليوم الذى أعلن فيه ليامين زروال (رئيس الجزائر بين 1995 و1999) استقالته من الرئاسة، اتصلت فتيحة بوضياف ببوتفليقة وشجعته على تقديم ترشيحه.
وفتيحة بوضياف، كانت الزوجة الثانية لمحمد بوضياف، كانت دائما امرأة ذات تأثير قوى ووقفت وراء العديد من الاحداث فى الجزائر، وكانت دائما مشاكسة، ومنذ 1992 لم تتوقف عن السعى وراء حقيقة وفاة زوجها.
بوتفليقة المناضل ضد الاحتلال الفرنسى
كان بوتفليقة من المناضلين فى حرب 1954-1962 التى وضعت نهاية للحكم الاستعمارى الفرنسى ثم أصبح أول وزير للخارجية عقب الاستقلال وأحد الوجوه الرئيسية التى وقفت وراء حركة عدم الانحياز ومنحت أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية صوتا على الساحة العالمية.
ناصر بوتفليقة الدول التى ظهرت فى أعقاب العصر الاستعمارى، وتحدى ما اعتبرها هيمنة من جانب الولايات المتحدة، وساعد فى جعل بلده مهدا للتوجهات المثالية فى ستينيات القرن العشرين.
واستقبل بوتفليقة تشى جيفارا، وتلقى نلسون مانديلا فى شبابه أول تدريب عسكرى له فى الجزائر، ومنحت البلاد حق اللجوء للناشط والكاتب الأمريكى إلدريدج كليفر الذى كان من أوائل قادة حزب الفهود السود.
واستقبل كليفر فى البيت الآمن، الذى كان يقيم فيه فى العاصمة الجزائرية الناشط الأمريكى تيموثى ليرى المدافع عن تعاطى المخدرات فى العلاج النفسى، وأحد قيادات حركة الثقافة المضادة فى الولايات المتحدة.
ودعا بوتفليقة بصفته رئيسا للجمعية العامة للأمم المتحدة ياسرعرفات لإلقاء خطاب أمام المنظمة الدولية فى 1974، فى خطوة تاريخية صوب الاعتراف الدولى بالقضية الفلسطينية.
إلا أنه بنهاية السبعينيات انقلبت الأمور على بوتفليقة فى الداخل، وسافر للعيش خارج البلاد، ثم عاد إلى الحياة العامة خلال صراع مع متشددين إسلاميين سقط فيه ما يقدر بنحو 200 ألف قتيل.
وانتخب بوتفليقة رئيسا للمرة الأولى عام 1999 وتفاوض على هدنة لإنهاء القتال، وانتزع السلطة من المؤسسة الحاكمة التى تكتنفها السرية وترتكز على الجيش.
بوتفليقة
متحدث باسم العالم الثالث
يقول بعض المؤرخين إن بوتفليقة ولد فى تلمسان بغرب الجزائر، غير أن أخرين يقولون إن مدينة وجدة المغربية على الجانب الآخر من الحدود، هى مسقط رأسه.
فى سن التاسعة عشرة انضم بوتفليقة للثورة على الحكم الفرنسى، تحت رعاية هوارى بومدين القائد الثورى الذى أصبح رئيسا للجزائر فيما بعد.
وبعد الاستقلال أصبح بوتفليقة وزيرا للشباب والسياحة، وهو فى الخامسة والعشرين من عمره، وفى العام التالى عُين وزيرا للخارجية.
وأصبح بوتفليقة بملابسه الأنيقة، والنظارات الشمسية التى راجت فى الستينيات متحدثا باسم الدول التى خرجت للنور بعد انتهاء الحكم الاستعماري، ومنحته السمعة التى اكتسبتها الجزائر من هزيمة فرنسا سلطة إضافية،
وطالب بوتفليقة بأن تحصل الصين الشيوعية على مقعد فى الأمم المتحدة، وندد بنظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا.
وأثارت دعوته عرفات لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة عاصفة، فقبل عامين فقط من ذلك الحدث احتجز مسلحون فلسطينيون أعضاء فى الفريق الرياضى الإسرائيلى فى دورة الألعاب الأولمبية فى ميونيخ رهائن وقتلوهم.
وعندما خطف إليتش راميريز سانشيز المعروف بكارلوس الثعلب والمؤيد للقضية الفلسطينية، وزراء نفط من اجتماع لأوبك فى فيينا عام 1975 طالب بنقله جوا مع الرهائن إلى مدينة الجزائر. والتقطت الكاميرات لقطات لبوتفليقة وهو يعانق كارلوس فى المطار، قبل أن يجلس الاثنان للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن.
عبد العزيز بوتفليقة
العودة من المنفى
عندما توفى بومدين عام 1978 فقد بوتفليقة مرشده، وتم عزله من منصب وزير الخارجية، وبدأ التحقيق معه فى مخالفات مالية. وقال بوتفليقة إن هذه الاتهامات ملفقة فى إطار مؤامرة سياسية.
وغادر الجزائر فى أوائل الثمانينيات واستقر فى دبى حيث أصبح مستشارا لأحد أفراد الأسرة الحاكمة فى الإمارة، وعاد إلى وطنه فى 1987 لكنه عزف عن الأضواء ورفض عروضا لشغل مناصب حكومية.
فى الوقت نفسه كانت الأوضاع قد بدأت تتدهور فى الجزائر، وألغت الحكومة المدعومة من المؤسسة العسكرية انتخابات برلمانية فى 1992 كان الإسلاميون على وشك الفوز فيها.
وأعقب ذلك صراع وقعت فيه مذابح راح ضحيتها سكان قرى بكاملها، وتعرض المدنيون فى شوارع المدن للذبح.
وانتخب بوتفليقة رئيسا للبلاد فى 1999 بعد أن تعهد بوقف القتال، وفى مواجهة معارضة ضارية من مؤسسة الحكم، أصدر عفوا عن المتشددين الذين ألقوا السلاح ،وانحسر العنف بصورة كبيرة.
وأعيد انتخابه فى 2004 ثم فى 2009 رغم أن خصومه قالوا إن الانتخابات شهدت تزويرا، ومن خلال سلسلة من المعارك الضارية على النفوذ مع قوى الأمن خلف الكواليس، أصبح بوتفليقة مع بداية فترة ولايته الثالثة أقوى رئيس تشهده الجزائر على مدار 30 عاما.
وكبر سن بوتفليقة وحل به المرض ،وأجرى أطباء فرنسيون جراحة له فى 2005 لعلاج ما وصفه مسؤولون بقرحة فى المعدة، وجاء فى برقيات دبلوماسية أمريكية مسربة أنه مصاب بالسرطان، ونال منه الضعف بعد أن توفيت والدته فى 2009.
وقال بوتفليقة فى خطاب ألقاه فى سطيف بشرق الجزائر فى مايو عام 2012، إن الوقت قد حان لأن يسلم جيله الراية لقيادات جديدة.
وبعد شهور وفى أوائل 2013 أصيب بجلطة دخل على إثرها مستشفى فى باريس لمدة ثلاثة أشه، ولم يشاهد علانية إلا قليلا منذ ذلك الحين بعد عودته للجزائر للنقاهة، الا أنه رشح نفسه فى انتخابات 2014 وفاز بها إلا أن الأوضاع الصحية ساءت يوما تلو الأخر إلى أن أعلن استقالته هذا العام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة