أهم ما يفعله المهندس كامل الوزير، فى السكة الحديد، ومنظومة النقل، أنه يعيد الأمور لطبيعتها، ويفرض أن يقوم كل فرد فى المنظومة بعمله لا أكثر ولا أقل. ويبدأ الوزير بكبار القيادات وصولًا إلى الفنيين والعمال، وهو دور بالرغم مما يبدو بسيطًا، فهو يلخص حل قضية الإدارة فى مصر.
خلال فترة قصيرة تغيرت الكثير من الأوضاع فى مرفق السكة الحديد، وتكشفت تفاصيل الثغرات المتعددة، لا تتعلق هذه التفاصيل فقط بالعمل، ولكن بمناطق الإهدار، التى تتسرب منها الموازنات. الوزير بدأ بمتابعة كل نقطة فى السكة الحديد، فهو يوم فى قطار، وآخر فى ورشة وثالث على رصيف أو أمام شباك تذاكر. كل زيارة يكتشف ثغرة ويقرر سدها.
القيادات فى السكة الحديد هم نفس القيادات، لكن أسلوب الإدارة اختلف، غادروا المكاتب ليقوموا بدورهم الطبيعى فى المحطات والقطارات والأرصفة، ينفذون عملهم بدقة فى خدمة الركاب. والوزير يعطى المثل فهو كل يوم فى موقع.
كل ما فعله الوزير أنه قرر أن يقوم كل واحد بدوره، ويوازن بين الحقوق والواجبات فقد اكتشف أن قيادة بالهيئة يحصل على مكافآت لا يستحقها، قرر إقالته، وعندما اكتشف أن نواب رئيس الهيئة كل منهم يستخدم 3 سيارات وأكثر قرر الوزير إلزام كل قيادة بالاكتفاء بسيارة واحدة وسائق خلال تنقلاتهم، وتسليم باقى السيارات. وكانت هناك قاعدة بمنح حوافز ومكافآت للعاملين بمكتب الوزير من الشركات والهيئات، وجه بعدم صرف أى حوافز أو مكافآت من الهيئات والشركات التابعة لوزارة النقل للعاملين فى مكتب الوزير. كما قرر إغلاق المخازن المفتوحة وجمع الفرامل التى كانت تلقى على الشريط وتفقد وتمثل ملايين الكيلوجرامات وملايين الجنيهات.
اللافت أن هذه الأموال والثغرات ليست فقط فى السكة الحديد لكن فى كل دواوين الحكومة. هو أمر مطروح فى الحكومة كلها وليس فقط فى وزارة النقل، والرئيس نفسه طالب الحكومة مرات بخفض الإنفاق وإذا تم فتح الباب للإهدار سوف نكتشف أن نسبة الإهدار من الإهمال والاستسهال تتجاوز الربع، ويمكن فى حال سد الثغرات أن تنخفض المصروفات.
الوزير بدأ بالقطارات والأرصفة، تغير شكل الأرصفة وكراسة انتظار الركاب أصبحت أكثر نظافة ونظامًا، يتم غسلها يوميًا، فى المقابل تم منع التدخين وفرض غرامات على التدخين وإلقاء القمامة. وعندما اكتشف نفقًا مغلقًا أصدر تعليمات بفتحه وقد بقى بلا قرار طوال سنوات. وهو نفق يسهل على الركاب الانتقال من وإلى المحطات والأرصفة، كما أمر بإخراج عربات الجولف المخصصة لكبار السن والمعاقين. كما فرض الالتزام بمواعيد قيام ووصول القطارات، وبالفعل انتظمت المواعيد بدرجة كبيرة.
وميزة ما يفعله الوزير أنه يوازن بين الحقوق والواجبات، للعاملين والركاب، من حق الراكب رصيف نظيف وقطارات منتظمة المواعيد، وواجباته دفع ثمن التذكرة، حيث اكتشف أن سوء الإدارة يضاعف الإهدار، وحسبما أعلن المهندس أشرف رسلان، رئيس هيئة السكة الحديد فإن نسبة التهرب من دفع التذاكر تصل إلى 40% بالقطارات المميزة، أى غير المكيفة.. تم رفع الغرامات بنسبة وتناسب مع سعر التذكرة، لتصل إلى 30 جنيهًا بالقطارات الـvip، و20 جنيهًا بالقطارات الإسبانى والفرنساوى المكيفة، والقطارات المميزة والمطورة إلى 10 جنيهات بعدما كانت قيمتها 50 قرشًا، وقطارات خطى أبو قير بالإسكندرية 23 يوليو ـ شبين القناطر من 50 قرشًا إلى 5 جنيهات.
المفاجأة أن رفع الغرامات ضاعف عدد التذاكر، وارتفعت حصيلة إيرادات القطارات العادية 1700%.. وفى القاهرة ارتفعت من 10 آلاف لـ170 ألف جنيه يوميًا خلال أول 3 أيام حسب مسؤولى وزارة النقل.
ويطالب الركاب بزيادة الشبابيك وطرق صرف التذاكر ومواجهة المافيا التى تتاجر فى التذاكر أو تحجبها، وذلك بعد زيادة غرامات عدم شراء تذاكر القطارات وهو مطلب أعلن الوزير تلبيته.
نحن أمام تجربة فى الإدارة توقف الإهدار وتضاعف الإيرادات لمجرد تطبيق القواعد، وهى تجربة يمكن أن تكون مفيدة، ومع أهمية دور الفرد، فإن هناك رغبة فى إرساء منظومة مستمرة، لا ترتبط بفرد.